تطورت أدوات وفنون الحرب فى العصر الحديث، وأصبحت حرب عقول وتكنولوجيا حديثة. المتابع للحروب التى شنتها إسرائيل على كل من غزة وحزب الله اللبنانى وإيران تثبت بما لايدع مجالا للشك أننا نشهد أدوات جديدة فى فنون الحرب، تعتمد أساسا على المعلومات والتكنولوجيا الحديثة.
المعلومات التى تحدد الأهداف بدقة، سواء كانت أهدافا بشرية أو مواقع عسكرية، أو منظومة معلوماتية يمكن القضاء عليها. والتكنولوجيا الحديثة تتمثل فى استخدام الأقمار الصناعية لتحديد الأهداف ومتابعتها، واستخدام الذكاء الاصطناعى فى متابعة الأفراد وتحركاتهم، والحرب الإلكترونية، والتشويش على الرادارات، واستخدام الطائرات المسيرة (بدون طيار)، والصواريخ الذكية الفرط صوتية الموجهة بدقة والتى يمكن التحكم فيها عن بُعد.
أما جمع المعلومات وتحليلها عن طريق أجهزة محترفة فى الجاسوسية (مثل الموساد والـCIA) فقد تم استخدامها لتحديد اماكن تواجد الأهداف المادية والبشرية بدقة. ولذا، شاهدنا اغتيال إسماعيل هنية داخل إيران، وقادة حزب الله فى جنوب لبنان، وقادة الجيش وعلماء الذرة الإيرانيين بدقة متناهية. وهذا يتطلب تحديد مكان الهدف، وتوفر التكنولوجيا الحديثة التى تغتال الشخص بعينه دون غيره وفى مكان تواجده حتى لو كان فى شقة داخل مبني.
هذه التكنولوجيا تشبه ما نسميه فى الطب "العلاج الشخصى Personalized Medicine". بدلاً من إعطاء مريض السرطان علاجا كيماويا يقتل الخلايا السرطانية والخلايا السليمة، أصبح بالإمكان إعطاء علاج موجه يقتل الخلايا السرطانية فقط.
ما قامت به إسرائيل مع كل من حزب الله اللبنانى وإيران، يختلف عما حدث مع حماس، فلم تستطع إسرائيل التجسس على حماس ولا معرفة أماكن تواجد جنودها المحتجزين فى غزة منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، مما يدل على أن الموساد والشاباك (الأمن الداخلي) والمخابرات العسكرية (أمان) لم تستطع اختراق حماس. أما حزب الله فقد تم اختراقه وضرب عناصره بعملية (الباجر) وهو وسيلة اتصال داخلية، وتم تفخيخه بعملية استخباراتية وتكنولوجية معقدة.
وجاء اغتيال حسن نصر الله، بضربة جوية مركزة بعد أن تم رصد تحركاته والإبلاغ عنها عن طريق العملاء. أما الاختراق الأكبر فحدث فى إيران، وعلى كل المستويات من قادة للجيش وعلماء وحتى مكان وتحركات المرشد الأعلى على خامنئي، وكذلك أماكن تواجد منشآت البرنامج النووى وتحصينات كل منشأة ومعرفة طريقة ضربها. لقد أثبتت الحرب الإيرانية الإسرائيلية أن جميع المؤسسات الحيوية فى إيران كانت مخترقة أمنياً، وأن سماء إيران ودفاعاتها الأرضية وقواتها الجوية قد تم تعطيلها والقضاء على فاعليتها. أظن أن هذا التحكم الإلكترونى فى سماء طهران، والتشويش على الرادارات ما كان ليحدث لولا مساعدة وتنسيق كامل مع الأجهزة الأمريكية والإنجليزية والفرنسية فى المنطقة.
على الجانب الآخر، اتضح أيضا أن إيران كان لها عملاء فى إسرائيل وكان لها برنامج صواريخ ومسيرات جيد جدا. فقد استطاعت أن تضرب أهدافاً حيوية داخل إسرائيل، وهو ما لم تستطع أى قوة الوصول إليه من قبل. دقة توجيه الصواريخ والمسيرات ووصولها بدقة إلى أهدافها أثبت أن إيران هى الأخرى كانت تستعد للحرب منذ زمن، وأنها قد امتصت الضربة الأولى وقامت بهجمات صاروخبة مؤثرة فى العمق الإسرائيلي.
واجبنا الآن أن ندرس هذه الحرب وأن نتخذ كل ما يلزم لكى نحافظ على أرضنا وندافع عن سمائنا ونطور من أسلحتنا لكى لا نسمح لأى قوى خارجية أن تهاجمنا أو تعتدى على أرضنا. نثق تماماً فى جهاز المخابرات المصرية، ونثق أيضاً أن تسليح القوات المسلحة المصرية يواكب أحدث مقتنيات العصر.
حفظ الله مصر وجيشها وشعبها من خيانة العملاء ومن كيد الأعداء.
*رئيس جامعة حورس