
في زمن لن يترك مكانًا ولا فرصة لمن لم يتعلم، تبرز مدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا (STEM) كمنارة أمل، لا لتخريج طلاب يحملون شهادات، بل لتشكيل عقول مفكرة ومبتكرة، قادرة على تحويل التحديات إلى فرص.
في حوار لـ"البوابة نيوز"، تفتح الدكتورة عزيزة رجب، مديرة عام الإدارة العامة لمدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا STEM بوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، قلب التجربة وتكشف كواليس النجاح، أسرار التفوق، خريطة التوسع الطموحة، والمعايير الدقيقة لاختيار "العقل المصري الواعد"، وترد على شكاوى الطلاب.. إجابات تأخذنا في رحلة إلى المعامل الذكية، والمشروعات الواقعية، والاختبارات المحكمة، وخطة المصروفات:
- في ظل الرؤى الطموحة لبناء اقتصاد المعرفة، البعض يرى أن مدارس STEM مجرد "شو" تعليمي.. كيف تردين على هذه الادعاءات؟
دعني أصحح هذا المفهوم.. مدارس STEM ليست ترفًا، بل هي ضرورة حتمية لمستقبل مصر والعالم، نحن لا نبني مدارس، بل نبني منظومة تعليمية متكاملة تقوم على أسس علمية وتكنولوجية حديثة، هدفها إعداد طلاب باحثين ومخترعين.
هؤلاء الطلاب ليسوا مجرد متلقين للمعلومات، بل هم قادة قادرون على حل مشكلات بلادهم والعالم.. "ستيم" ليست مدرسة، بل هي نظام حياة علمي متكامل يربي العقول، وهذا هو الاستثمار الحقيقي في رأس المال البشري الذي سيقود قاطرة التنمية.
قريبا التعاون مع جهات صناعية وحكومية لتحويل مشروعات "ستيم" إلى حلول واقعية
- ما المختلف في منهجية STEM عن المدارس التقليدية؟
"نعتمد كليًا على التعلم القائم على المشروعات (Project-Based Learning).. الطلاب لا يحفظون المعلومة، بل يعيشونها من خلال التفاعل العملي".
"مشروع الطالب ليس للنجاح فقط.. بل هو تحدٍ حقيقي لحل مشكلات مصرية".
هل هذه المشروعات مجرد تمارين أكاديمية تهدف إلى الحصول على درجات، أم أنها تتجاوز ذلك لتصبح حلولًا واقعية لمشكلات المجتمع؟
"كابستون" ليس مجرد مشروع لجمع الدرجات، إنه حجر الزاوية في تجربتنا التعليمية، وتحدٍ حقيقي لحل مشكلات مصرية.. لقد حددنا 11 تحديًا رئيسيًا تواجه مصر في مجالات حيوية كالمياه، الطاقة، والزراعة، ويقوم طلابنا بتنفيذ 5 مشروعات خلال ثلاث سنوات لمواجهة هذه التحديات، الأمر لا يتوقف عند التنفيذ النظري؛ فالطلاب يبدأون بورش عمل مكثفة مع أساتذة جامعات ومهندسين وخبراء، وتُصمم التحديات وفقًا لمفاهيم علمية دقيقة، والأهم أن مشروع العام الثالث يُقدم كبحث رسمي يُحتسب بدرجة كبيرة ضمن نتيجة الثانوية العامة.
ويبدأ الطلاب المشروع بورش عمل موسعة تضم أساتذة جامعات ومهندسين وخبراء، وتُصمم التحديات وفقًا لمفاهيم علمية دقيقة، على أن يقدم مشروع العام الثالث كبحث رسمي يُحتسب له بدرجة كبيرة ضمن نتيجة الثانوية العامة.
نحن ننسق حاليًا مع جهات صناعية وحكومية لتبني هذه المشروعات وتحويلها إلى نماذج حقيقية تفيد المجتمع، ولدينا بالفعل نماذج ناجحة، كطالب من STEM أسيوط قام بتطوير مادة من التين الشوكي لتقليل استهلاك المياه.. هذا يؤكد أن المشروعات الطلابية لم تعد حبرًا على ورق، بل أصبحت قابلة للتطبيق الواقعي.

معايير القبول صارمة
- مع ارتفاع طموحات الأسر لالتحاق أبنائهم بمدارس STEM، ما معايير القبول الحقيقية؟ وكيف تضمنون أن اختبار القبول ليس "عقبة" بل "بوابة عبور" للعقول النيرة؟
معايير القبول صارمة، وهي بالفعل تركز على القدرات والذكاء التحليلي وليس المجموع فقط، ويجب أن يحصل الطالب على 95% مع الدرجة النهائية في إحدى المواد الثلاث: العلوم، الرياضيات، أو اللغة الإنجليزية، أو 98% بدون شرط الدرجة النهائية.. هذا العام، أضفنا تعديلًا مهمًا: يمكن لطلاب براءات الاختراع التقدم دون التقيد بالمجموع، شريطة تقديم إثبات البراءة، هذا يؤكد أننا نبحث عن العقل المبتكر بغض النظر عن القيود التقليدية للمجموع.
أما عن اختبار القبول، فهو ليس عقبة، بل بوابة عبور للعقول الحقيقية، والاختبار إلكتروني ودقيق، ويُعده المركز القومي للامتحانات بالتعاون مع إدارات الإحصاء، ويشمل أربعة محاور: الرياضيات، العلوم، اللغة الإنجليزية، والذكاء (IQ). عندما يتقدم لنا سنوياً نحو 17 إلى 30 ألف طالب، ونحتاج منهم فقط 2500 طالب مميز، فإن الامتحان يجب أن يكون دقيقًا ومحايدًا ليفرز "العقل المصري الواعد" الذي نبحث عنه.
-هل ستمد فترة التقديم، وما طبيعـة اختبار القبول؟ ومتى سيُجرى؟
لا لن يتم مد فترة التقديم، و “أرقام الجلوس ستُتاح بعد انتهاء التقديم في 31 يوليو، والاختبارات ستُجرى من 16 إلى 19 أغسطس، وتشمل أربعة محاور، كما ذكرنا”، ويجري في مركز التطوير التكنولوجي بكل محافظة.
-ماذا بعد اجتياز الطالب للاختبار؟
يبدأ الطالب الدراسة فعليًا بمعسكر تعريفي (Summer Camp) يستمر أسبوعين قبل انطلاق العام الدراسي، للتأهيل والاندماج واكتشاف المواهب.
-هل المناهج تتطور؟ وكيف يتم تقييم الطالب؟
مناهجنا تُراجع كل 5 سنوات بناء على نواتج تعلم عالمية.. التقييم لا يعتمد على الحفظ، بل على MCQ واختبارات مفاهيم، ومشروعات الكابستون التي تُضاف درجاتها لامتحانات الثانوية العامة".
"لدينا أعمال سنة، ومراجعات، ومفاهيم علمية، وسيتم تزويد طلاب الثالث الثانوي بنماذج استرشادية من الوزارة نفسها قريبًا".
- إلى أي مدى تركز المدارس على التطبيق العملي؟
"لدينا معامل علمية متطورة، وأجهزة على أحدث طراز.
الطلاب لا يسمعون عن التجربة فقط، بل ينفذونها بأنفسهم".
"نُربي العقل الباحث.. لا الناقل، وكل طالب يكتشف قدراته في بيئة محفزة".
-ماذا عن المصروفات الدراسية لمدارس STEM؟ وهل ستشهد أي تعديلات أو زيادات؟
نحن حريصون على أن تظل في متناول أكبر شريحة ممكنة مع ضمان جودة التعليم، والمصروفات تتحدد بناءً على نوع المدرسة التي كان الطالب ملتحقًا بها قبل الانضمام لـ STEM:
بالنسبة للطلاب الملتحقين من المدارس الحكومية: يسددون 5 آلاف جنيه سنويًا.
أما الطلاب القادمون من المدارس الخاصة: فيسددون آخر قيمة مصروفات دراسية كانوا يدفعونها في مدرستهم الخاصة، وهي القيمة التي يتم تقديم إيصال بها أثناء التقديم.
وبالنسبة لطلاب المدارس الدولية: يسددون المصروفات الفعلية للدراسة، بحد أقصى 30 ألف جنيه سنويًا.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تأمين على جهاز اللاب توب الذي يتسلمه الطالب، وهو جزء أساسي من العملية التعليمية في مدارس STEM.. قيمة هذا التأمين تبلغ 20% من القيمة التسويقية للجهاز، وتسترد في السنة النهائية.
- هناك تساؤلات حول الانتشار الجغرافي لمدارس STEM، فبعض المناطق تشعر بأنها محرومة من هذه الفرصة.. ما هي خريطة التوسع الجديدة؟
لدينا خطة توسع طموحة لتغطية كافة المحافظات قدر الإمكان.. العريش تدخل الخدمة هذا العام، والعام المقبل سنفتتح مدارس جديدة في البحيرة، دمياط، بورسعيد، الوادي الجديد، والسويس، ونستهدف الوصول إلى 30 مدرسة على مستوى الجمهورية.. وبفضل جهود الوزير محمد عبداللطيف، حتى بعد انتهاء دعم المعونة الأمريكية، فإن 9 من هذه المدارس جاهزة بالمعامل الذكية والفاب لاب، وهذا يؤكد التزام الدولة بتعميم هذا النموذج التعليمي الواعد ليشمل أرجاء مصر كافة.
لا تهاون في جودة الإقامة والخدمات
- ترد بعض الشكاوى بين الحين والآخر حول مستوى التغذية وجودة الإقامة في المدارس الداخلية.. ما مدى صحة هذه الشكاوى؟ وما الإجراءات التي تتخذونها لضمان بيئة إقامة مناسبة ومحفزة؟
نحن على علم بتلك الشكاوى ونأخذها على محمل الجد، المشكلة غالبًا ما تكون في الطهي وليس في جودة المكونات، ولدينا طبيبة تغذية تتابع الأمر بشكل دقيق، ويتم الاستبدال الفوري عند الحاجة.. الطالب له إقامة كاملة وثلاث وجبات يوميًا، والوزارة تُحاسب الشركة المشغلة مباشرة على أي تقصير.
وجودة الإقامة والخدمات هي أولوية قصوى لنا، ولا تهاون في هذا الجانب، فنحن ندرك أن البيئة المعيشية الجيدة جزء لا يتجزأ من توفير المناخ التعليمي المناسب.
-كيف ترين تأثير خريجي STEM على مستقبل مصر؟
هؤلاء الطلاب سيكونون علماء وباحثين ومبتكرين.. بالفعل هناك مشروعات طلابية قيد التنفيذ، و"ننسق حاليًا مع جهات صناعية وحكومية لتبني هذه المشروعات وتحويلها إلى نماذج حقيقية تفيد المجتمع".
- لمن توجهين دعوة الالتحاق بمدارس STEM؟.. وما الرسالة التي تودين توجيهها للأسر والطلاب المهتمين بهذا المسار التعليمي؟
أوجه دعوتي لكل من يمتلك الشغف العلمي الحقيقي، والقدرة على التفكير النقدي، والإصرار على التفوق، ويرغب في أن يكون جزءًا من صناعة المستقبل.
نعم، "ستيم" ليست للجميع بالمعنى التقليدي؛ نحن لا نبحث عن أعلى مجموع في الشهادات، بل عن أذكى العقول وأكثرها استعدادًا للبحث والابتكار، وهذه المدرسة هي لهؤلاء الطلاب الذين يرون في العلم والتكنولوجيا شغفًا وطريقًا للحياة.
رسالتي للأسر والطلاب: "STEM" ليست مجرد تجربة دراسية؛ إنها حياة كاملة من العلم، الابتكار، والريادة.. نحن نعدّ خريجًا باحثًا، مبتكرًا، ومؤهلًا للمنافسة عالميًا.

