يُعد قرار فرنسا بالاعتراف رسميًا بدولة فلسطين خطوة مهمة في مسار الدبلوماسية الدولية المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
رغم أن هذا القرار قد لا يحقق فورًا أي تغيير ملموس لشعب غزة أو يؤثر على الحرب الجارية بين إسرائيل وحماس، إلا أنه يعكس التزام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحلول دبلوماسية بدلًا من الحلول العسكرية.
ووفقًا لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية، وفي زمن تزايد فيه التدخلات العسكرية العالمية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية والضربات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة على إيران، يؤكد ماكرون على أهمية الحوار والسلام، في وقت يقترب فيه من السنوات الأخيرة من ولايته الرئاسية.
و يحمل هذا القرار وزنًا دوليًا ويطرح تحديات داخلية، خصوصًا في بلد يضم أكبر تجمعات يهودية ومسلمة في أوروبا، مما يخلق توازنًا دقيقًا في الرأي العام.
إدانة نتنياهو
من جهته، أدان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الإعلان محذرًا من أنه قد يعزز الإرهاب ويزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
ورغم الأوضاع المأساوية على الأرض، من تدمير غزة وتوسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، يؤكد ماكرون أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد الممكن لتحقيق السلام.
وقد تلهم خطوة الاعتراف الفرنسية دول مجموعة السبع الأخرى للسير على نفس النهج، مما قد يغير الديناميكيات الدبلوماسية في الأمم المتحدة، حيث ستنضم فرنسا إلى الصين وروسيا كأعضاء دائمين في مجلس الأمن يعترفون بدولة فلسطين.
بينما رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا القرار بوصفه بلا تأثير، فإن التقارب بين فرنسا والمملكة المتحدة قد يشير إلى تحول في مواقف القوى الغربية حول هذه القضية الحساسة.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي أكد فيها قرار فرنسا الاعتراف بفلسطين: “هذا الحل هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يلبي الطموحات المشروعة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين. ويجب أن يتم تحقيقه بأسرع وقت ممكن.”
خطوة تترك أثرها
ومن المرجح أن تترك هذه الخطوة آثارها الأولى ليس في غزة، بل في عواصم العالم، حيث قد يواجه القادة ضغوطًا أو يشعرون بالتشجيع لاتخاذ نفس الخطوة التي خطتها فرنسا. يتركز الانتباه على بقية دول مجموعة السبع، نظرًا لنفوذها الاقتصادي والدبلوماسي.
وقال ديفيد ريجوليه-روز، باحث في المعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي: “إعلان ماكرون يمكن أن يخلق سابقة لأنه سيكون أول دولة غربية في مجموعة السبع تفعل ذلك، مما قد يدفع دولًا أخرى للسير على نفس النهج.”
وعلى الرغم من أن أكثر من 140 دولة تعترف بفلسطين كدولة، فإن فرنسا ستكون الأكبر والأكثر سكانًا والأقوى بين الدول الأوروبية التي اتخذت هذه الخطوة.
فرنسا هي آخر دولة أوروبية تعلن دعمها لدولة فلسطينية. تأتي هذه الخطوة الدبلوماسية وسط غضب عالمي متزايد تجاه سلوك إسرائيل في حرب غزة.
حتى الآن، كانت الصين وروسيا فقط من بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي تعترف بدولة فلسطين. ستنضم إليهما فرنسا عندما تفي بوعودها في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر. سيترك هذا الثلاثي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كالدولتين الوحيدتين الدائمتي العضوية في مجلس الأمن التي لا تعترف بفلسطين.
بريطانيا في الطريق
وفي سياق متصل كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، نقلًا عن مسؤولين بريطانيين رفيعي المستوى، أن الحكومة البريطانية تدرس بشكل جدي خيار الاعتراف بدولة فلسطين، في تحول لافت يعكس الغضب المتزايد على خلفية صور المجاعة والكارثة الإنسانية في غزة، بالإضافة إلى تصاعد الضغوط السياسية على رئيس الوزراء كير ستارمر داخل صفوف حزب العمال.
على الرغم من أن ستارمر لم يتبنَ بشكل مباشر موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أعلن الأسبوع الماضي نية فرنسا الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، فقد أكد في بيان سابق أن مثل هذه الخطوة يجب أن تكون جزءًا من خطة شاملة تقود إلى حل الدولتين وتضمن أمنًا دائمًا لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
ووفقًا للمسؤولين، فإن التدهور الإنساني الحاد في غزة، وظهور تقارير موثقة عن حالات وفاة ناجمة عن الجوع نتيجة الحصار الإسرائيلي، دفع الحكومة البريطانية إلى رفع مستوى النقاشات حول هذا الملف إلى مستويات أكثر جدية.
ورغم دعم ستارمر المبدئي لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، إلا أنه أعرب عن حذره من اتخاذ قرار الاعتراف الفوري، معتبرًا أن هذه الخطوة «رمزية في الغالب» وقد تعقد جهود الوساطة الدبلوماسية الرامية لوقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية.
ورغم موقف الحكومة المتحفظ، تواجه ستارمر ضغوطًا متزايدة داخل البرلمان، حيث وقع أكثر من 250 نائبًا من تسعة أحزاب سياسية، بينهم عدد كبير من نواب حزب العمال، رسالة موجهة إلى ستارمر ووزير الخارجية ديفيد لامي، يطالبون فيها الحكومة بالاعتراف الرسمي بدولة فلسطين خلال مؤتمر الأمم المتحدة المقبل لمناقشة مستقبل حل الدولتين.
وأشار النواب في رسالتهم إلى أن بريطانيا لا تملك وحدها القدرة على إقامة دولة فلسطينية حرة ومستقلة، لكنهم أكدوا أن الاعتراف الرسمي يمثل رسالة سياسية قوية، خاصة بالنظر إلى الدور التاريخي الذي لعبته المملكة المتحدة في تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف الموقعون أن اتخاذ موقف واضح في هذه اللحظة الحساسة يُظهر أن الحكومة البريطانية لا تغض الطرف عن الكارثة الإنسانية المتصاعدة في غزة.
دور مصري واضح
كان للدور المصري تأثيرًا واضحًا في قرار ماكرون، خاصة بعد زيارة الرئيس الفرنسي لمصر في وقت سابق، ولقاءه الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وحينها عقد قمة ثلاثية تضم الرئيس عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني، يركز خلالها على دعم الخطة العربية لقطاع غزة في مواجهة خطة دونالد ترامب، وعلى إعادة فتح المعابر لإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر.
وأفادت وكالة رويترز بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثار اهتمامًا واسعًا على الساحة الدولية بعد إعلانه عن عزمه الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين في شهر سبتمبر المقبل، ليصبح بذلك أول دولة غربية دائمة العضوية في مجلس الأمن تتخذ هذه الخطوة.
وجاءت هذه المبادرة عقب زيارة قام بها ماكرون إلى مدينة العريش المصرية في أبريل الماضي، حيث تأثر بالأوضاع الإنسانية المتدهورة في المنطقة، وعبر ماكرون لدى عودته إلى باريس عن قناعته بضرورة اتخاذ خطوة سياسية حاسمة، مؤكدًا أن الاعتراف بدولة فلسطين أصبح مسألة وقت.
فيما ذكرت رويترز أن ماكرون عمل في وقت سابق، بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية، على إعداد خطة للاعتراف بفلسطين.
وجرى التنسيق مع شركاء فرنسا في مجموعة السبع، وخاصة بريطانيا وكندا، في إطار خطة تهدف إلى تحقيق اعتراف جماعي، إلى جانب دفع الدول العربية لتبني مواقف أكثر مرونة تجاه إسرائيل من خلال مؤتمر دولي.