أبوبكر الديب يكنب: مصر والكويت يرسمان خريطة نفوذ اقتصادي جديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في مشهد إقليمي يتسم بإعادة توزيع أوراق النفوذ والتحالفات، تبرز العلاقات المصرية الكويتية، كأحد المسارات الصامتة التي تتشكل بعيدا عن الضجيج، لكنها تمضي بخطى واثقة نحو بناء نموذج غير تقليدي في الشراكة الاقتصادية العربية، فليست المسألة مجرد استثمارات أو تبادل تجاري، بل تحول نوعي في فلسفة التقارب، حيث تتقاطع أولويات القاهرة الاقتصادية مع تطلعات الكويت لإعادة تموضعها المالي والجيوسياسي، لينشأ بين البلدين ما يمكن تسميته بـ "تحالف الحسابات الدقيقة"، تحالف لا يقوم على عواطف الأخوة التقليدية فحسب، بل على أرقام واستراتيجيات ومصالح تمتد من الموانئ إلى الطاقة، ومن البنوك إلى الأمن الاقتصادي، في لحظة فارقة تفرض على العواصم العربية أن تعيد صياغة علاقاتها لا ببيانات المجاملة، بل بمنطق العمق والضرورة.

وتشهد العلاقات المصرية الكويتية، تحولا نوعيا من التنسيق التقليدي إلى شراكة استراتيجية مرنة تتسارع وتيرتها في هدوء، مدفوعة باعتبارات اقتصادية وأمنية مشتركة تتقاطع مع تحولات الإقليم وإعادة توزيع النفوذ المالي الخليجي، فقد تجاوز حجم الاستثمارات الكويتية في مصر 17 مليار دولار بنهاية عام 2024، وفق بيانات الهيئة العامة للاستثمار المصرية، مما يجعل الكويت ثالث أكبر دولة عربية مستثمرة في مصر بعد السعودية والإمارات، ويمتد هذا الاستثمار إلى أكثر من 1302 شركة كويتية عاملة في مجالات متنوعة أبرزها الصناعة والعقارات والسياحة والبنية التحتية والطاقة، وتستحوذ الاستثمارات العقارية وحدها على ما يقارب 38% من إجمالي النشاط الكويتي في السوق المصري، في حين تتجه النوايا الجديدة إلى التوسع في قطاعات الطاقة النظيفة وتحلية المياه والمناطق اللوجستية، كما أبدت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية (KIA) اهتماما واضحا بالمشاركة في مشروعات محور قناة السويس والميناء الجاف بمدينة السادس من أكتوبر، إلى جانب الدخول في شراكات بنكية لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بنظام تقاسم الأرباح.

وعلى الصعيد التجاري، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 514 مليون دولار في 2024، منها 390 مليون دولار صادرات مصرية إلى الكويت، تشمل المنتجات الغذائية والدوائية ومواد البناء، بينما تستورد القاهرة من الكويت النفط الخام وبعض المشتقات البترولية، ومواد خام للبتروكيماويات، وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إلى أن عدد المصريين العاملين في الكويت يناهز 500 ألف مصري، وتبلغ تحويلاتهم السنوية نحو 4.6 مليار دولار، تمثل ما يقارب 20% من إجمالي تحويلات المصريين من الخليج، ما يجعل الكويت شريكا حيويا ليس فقط على مستوى الاستثمار، بل أيضا في دعم ميزان المدفوعات المصري.

 وفي ضوء هذه المؤشرات، تتهيأ القاهرة والكويت للإعلان عن تشكيل "مجلس الشراكة الاقتصادية العليا" بآلية غير تقليدية تضم ممثلين عن الصناديق السيادية والبنوك الاستثمارية والشركات الكبرى في البلدين، ما يؤشر إلى دخول العلاقات الثنائية في مرحلة جديدة تُبنى على الأرقام والمصالح المباشرة، لا على المجاملات الدبلوماسية وحدها، وهو ما يجعل من الكويت شريكا استراتيجيا لمصر في زمن إعادة رسم خرائط التمويل والنفوذ في الشرق الأوسط.