أسوشييتدبرس – في الأيام الأخيرة، شهدت محافظة السويداء سلسلة تظاهرات دامية طالت مئات القتلى والجرحى، بينهم مدنيون، بعد تصاعد التوترات بين الطوائف المحلية وتدخل الدولة والقوى الإقليمية، وسط تحذيرات من استئناف الصراع الأهلي في جنوب سوريا.
الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرّع
بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 على يد فصائل إسلامية، تشكّلت حكومة انتقالية برئاسة أحمد الشرّع، الزعيم السابق لهيئة "تحرير الشام". سعت الحكومة إلى ضبط الوضع وتحقيق استقرار بعد سنوات الفوضى، لكن تدخلها في السويداء أسفر عن مواجهات مسلحة مع الطوائف المحلية.
- أُرسلّت قوات حكومية لفض نزاع بين عشائر البدو والدروز، لكنها اشتبكت لاحقًا مع مسلّحي الدروز، وسُجّلت ادعاءات بالتنكيل والتصفية داخل المنازل، ناهيك عن عمليات نهب وحرق، فضلًا عن انتشار مقاطع تظهر مقاتلين حكوميين وهم "يطلقون الشتائم" ويحلقون شوارب الدروز .
- رغم وعود الشرّع بحماية الأقليات وتشكيل لجنة تأديبية وتحقيقات، فإن التوترات طفت على السطح بسرعة، ما يعكس هشاشة بشرى الأمن التي يُفترض أنها من صلب دور حكومته الجديدة .
الدروز: ضحية النزاع وهواجس الاندماج
الطائفة الدرزية، التي تتراوح نسبتهم في سوريا بين 2.5-3%، يعيش معظمهم في السويداء ودمشق. رغم أن النظام السابق منحهم مراعات أمنية من جهة تجنّب التجنيد والاعتداء المباشر، فإن الوضع الجديد فقد الضمانات بعد سقوط الأسد.
- خلال الحرب، شكّل الدروز ميليشيات محلية دفاعية ضد تهديدات المتطرفين، لكنهم انقسموا لاحقًا بين مؤيّدين للاندماج في الدولة الجديد، ومطالبين بالحفاظ على إدارة ذاتية .
- تصاعد العنف في الأيام الماضية إلى معارك دموية، راح ضحيتها عشرات المدنيين على يد قوات حكومية ودروز، بلغ إجمالي القتلى 254 شخصًا، بينهم رجال ونساء وأطفال، وفق ناشطي الشبكة السورية لحقوق الإنسان
- القيادات الدرزيّة، وعلى رأسها الشيخ حكمت الهجري، عبّرت عن عدم الثقة بأحمد الشرّع ووصفته بـ "الإسلامي" و"المنبوذ"، مؤكدة أن الطائفة في حالة "وجود أو لا وجود".
- عبّر بعض أبناء الطائفة الدروز في إسرائيل عن تضامنهم، وتسلل مئات منهم إلى الحدود السورية، في مؤشر قوي على القطيعة المتنامية بين الدروز ودولة دمشق .
البدو: شرارة الصدام وتوقُّع التصعيد
تنشط في السويداء بعض العشائر البدوية السنية، التي دخلت في صراع مع الدروز حول السلطة والأرض والرّوادع القبلية.
- اندلع النزاع بعد حوادث متكررة من الخطف والسلب، والأحدث كان مهاجمة بدويٍّ لرجل درزي عند نقطة تفتيش، ما دفع بقيام ردود فعل درزية مسلحة
- تشكّل العشائر البدوية نقطة ضغط على الحكومة، إذ ظهرت نيّتها للرد على "الظلم" في سويداء، كما أصدرت دعوة للنفير ومواجهة.
- رغم تهدئة محتملة، فإن هذا الصراع المحلي قد يكون ذريعة لتوسيع رقعة النزاع إلى مناطق أخرى مثل ريف درعا، وإشعال المواجهات الطائفية المتفرقة .
إسرائيل: ضربة لطوق حماية الدروز؟
تدخلت إسرائيل مباشرة في الميدان، عبر ضربات جوية استهدفت القوات السورية حول السويداء ودمشق، بزعم حماية الدروز – الأقلية التي لها ارتباطات داخل إسرائيل.
- أكّدت تل أبيب أنها تحركت بعد اشتراك القوات الحكومية مع البدو ضد الدروز، وأن الغارات تهدف لمنطقة عازلة "تحمي أقلياتنا من بينهم".
- أثارت هذه الضربات ردود فعل دولية متباينة، وسط تقاطع مصالح بين واشنطن وأنقرة لفض النزاع وتحويل سوريا إلى سلطتين جغرافيتين تضبطان المد الطائفي .
الولايات المتحدة وتركيا: وساطات وتوازنات إقليمية
أعلنت الولايات المتحدة، بقيادة وزير الخارجية ماركو روبيو، قلقها الشديد إزاء تصعيد العنف، ودعت إلى وقف إطلاق النار فورًا كشرط لاستعادة الاستقرار .
تركيا، الحليف التاريخي للمعارضة والمدعوم أميركيًا، أيضًا شارك في جهود الوساطة، حرصًا على منع تقوية الأكراد بمنطقة درعا وريف السويداء، والحفاظ على الدولة السورية الموحدة .
قوات سوريا الديمقراطية: غائبة لكن مهددة
برغم توقيع اتفاق مع حكومة الشرّع للاندماج الأمني في الشمال، بقيت قوات قوات سوريا الديمقراطية (أكراد) بعيدة عن أحداث السويداء، لكن توتر الأوضاع المحلية قد يعيد تأجيج الخلافات على المستوى الأمني خلال المدى القريب .
هل بدأت سوريا مرحلة جديدة من الانقسام؟
لأكثر من أسبوع، احتدمت المواجهات الطائفية في جنوب سوريا، لتكشف هشاشة التجربة السياسية الجديدة، وفشل إمساكها بأبسط ملفات الأمن المجتمعي. فالصدامات العنيفة بين الدروز والبدو، وتحول الدولة إلى طرف مسلّح وليس ضامنًا محايدًا، وتدخل إسرائيل لحماية الأقلية الموالية لها، كلها مؤشرات على أن سوريا لم تخرج من عباءة التشظي الذي عمّها على مدى 14 عامًا.
المعركة القادمة لن تُحسم بالدهس والتسويات العسكرية، بل تحتاج إلى:
- حماية حقيقية وقانونية للأقليات: بوجود ضامنين وحقوق مدرجة في الدستور الانتقالي.
- رد الاعتبار للدروز والبدويين: عبر آليات عدالة ومصالحة محلية وإقليمية، تحصّن التعايش.
- رص الصف السوري في مواجهة النفوذ الخارجي: قبل أن يُفرض الأمر الواقع على الأرض عبر تحوير الحدود، مناطق حراسة، وتأثير إرادات أجنبية.
إن لم تُترجَم هذه الخطوات إلى واقع ملموس، فالساحة السورية ستدخل دوامة جديدة من الفوضى، وقد لا تكون السويداء سوى البداية.