أمي لم تكن امرأةً عادية.. كانت وردةً من قرنفل وياسمين وبنفسج، عودًا من ريحان، وقنينةً من عسلٍ مصفّى، وثوبًا من حرير.
كانت هي.. “الماس والآس والخَزُّ والبدر” في جملةٍ واحدة. أيقونةً من عصر المانوليا، وروضةً من رياض الجنة، وحقلَ عصافير وقرنفل.. كانت أمي.
أرضعتني مع حليبها طَعم الكرامة والشموخ، كما علّمتني التواضع في حضرة الأنقياء. علّمتني، هي المرأة، كيف يكون الرجال.. فصرتُ ما أنا عليه.
وُلدتُ لأبٍ تزوّج أكثر من ثلاثٍ وعشرين امرأة، أمّا هي فلم يكن لها في الحياة سواي؛ ابنٌ وحيد، لا حيلة لها إلا أن تشمَّه كزهرةٍ في الصباح، وتمنحه ما لم تمنح امرأةٌ لابنها: حنانًا في المساء. كنتُ لها وطنًا وحلمًا يمتطي الريح، يبحث عن أرضٍ وخيال، وكانت لي جيشًا يرابط على حدود روحي، يهدّئني ويمنحني اليقين.
كان يحلو لها أن تدعو الله لي بدعوةٍ واحدة: “اللهم إن كنتَ قد منحتني صبيًا واحدًا، فاجعله بقيمة ألف رجل.” وأتساءل دائمًا: هل استطعتُ تحقيق تلك الأمنية؟ هل منحني الله ما طلبته أمي، أم أنّ في العمر متّسعًا للسعي والارتقاء؟
وها هي بعد عام من رحيلها.. تأتيني هائمةً من خلف المرايا.. تنظر: هل حافظتُ على عهدها؟ فإذا بي ألاطفها حينًا، وأمسح عن جبينها حينًا، وأركض خائفًا من لومها أحيانًا كثيرة. فاللهم اغفر لها، وارحمها كما ربّتني صغيرًا، واجمعني بها يوم اللقاء العظيم، واجعلها في عليِّين. آمين.