
تحولت بعض منصات التواصل الاجتماعي في مصر إلى ساحة مفتوحة لممارسات تتعارض مع قيم وأعراف المجتمع، حيث لجأ عدد من صانعات المحتوى إلى نشر مقاطع خادشة للحياء وألفاظ خارجة بهدف زيادة نسب المشاهدات وتحقيق أرباح مالية بالدولار، في مشهد يعكس كيف يمكن أن يقود الرقص أمام الكاميرا إلى الحبس وراء القضبان.

وفي ظل هذه الظاهرة الخطيرة التي تمثل تهديداً للقيم الاجتماعية وابتذالاً متعمداً يستهدف استغلال شغف الشباب، أكدت وزارة الداخلية يقظتها التامة في مواجهة هذه الممارسات، من خلال ضربات نوعية متتالية نفذتها الإدارة العامة لحماية الآداب بقطاع الشرطة المتخصصة.
وشددت على ان الوقائع الأخيرة ضمن ما يُعرف إعلامياً بـ"نجمات السوشيال ميديا" اللاتي يلهثن وراء الشهرة السريعة والدولارات، قد انتهى بهن المطاف داخل القفص الحديدي، لتعيد الدولة المصرية رسالتها الواضحة: لا أحد فوق القانون، وحماية القيم والآداب العامة جزء لا يتجزأ من الأمن القومي.
الواقعة الأولى.. الشهرة بالدقهلية تنتهي خلف القضبان
رصدت الإدارة العامة لحماية الآداب قيام صانعة محتوى مقيمة بدائرة مركز شرطة بلقاس بمحافظة الدقهلية، بنشر مقاطع فيديو عبر صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي تتضمن ألفاظاً خارجة وعبارات تتنافى مع قيم المجتمع، إلى جانب ظهورها في مقاطع رقص بملابس خادشة للحياء.

وبعد تقنين الإجراءات، تمكنت أجهزة الأمن من ضبط المتهمة، وبمواجهتها أقرت بأنها تعمدت نشر تلك الفيديوهات لزيادة المشاهدات وتحقيق أرباح مالية من خلال الإعلانات والهدايا الرقمية.
وأكدت التحقيقات أن المتهمة كانت ترى في هذه الأفعال وسيلة للشهرة والثراء السريع، لكنها لم تدرك أن القانون يترصد مثل هذه الممارسات التي تشكل خطراً على المجتمع، خاصة في ظل تأثيرها السلبي على عقول الشباب والمراهقين. وتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدها في إطار ردع كل من تسول له نفسه استغلال المنصات الرقمية في نشر الفوضى الأخلاقية.
الواقعة الثانية.. دولارات حرام وشقيق هارب من المؤبد
في ضربة جديدة لمحتويات “الابتذال الرقمي”، نجحت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة في ضبط صانعة محتوى مقيمة بدائرة قسم شرطة مدينة نصر ثالث، بعدما تبين إدارتها صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لبث فيديوهات خادشة للحياء، تتنافى مع قيم المجتمع وتشكل خروجاً على الآداب العامة.

المفاجأة الكبرى تمثلت في العثور على شقيقها برفقتها أثناء المداهمة، وتبين أنه هارب من حكم بالسجن المؤبد في قضية مخدرات، ليكشف الأمر عن ارتباط مثل هذه الأنشطة الرقمية غير المشروعة أحياناً بجرائم أخرى أخطر. وبمواجهتها، أقرت المتهمة بأنها نشرت هذه المقاطع لزيادة نسب المشاهدات وتحقيق أرباح مالية بالدولار، بينما أقر شقيقها بواقعة هروبه.
الواقعة عكست كيف يمكن أن تتحول غرف السوشيال ميديا إلى أوكار لجمع الأموال الحرام والتستر على مجرمين فارين من العدالة، وهو ما استدعى يقظة أمنية حاسمة انتهت بضبط الاثنين واتخاذ الإجراءات القانونية.
الواقعة الثالثة.. من الفيوم إلى الحبس.. هواتف تفضح الجريمة
أكدت تحريات الإدارة العامة لحماية الآداب قيام صانعة محتوى من محافظة الفيوم، لها معلومات جنائية سابقة، بنشر مقاطع وصور خادشة للحياء عبر حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي، في تحدٍ سافر لقيم المجتمع. وبعد تقنين الإجراءات، تمكنت أجهزة الأمن من ضبطها، وعُثر بحوزتها على هاتفين محمولين محملين بعشرات المقاطع والصور التي توثق نشاطها الإجرامي.
وبمواجهتها، أقرت بأنها اعتمدت على هذه الوسيلة لتحقيق أرباح مالية وزيادة المتابعين.

هذه الواقعة كشفت بوضوح كيف أصبحت الأدلة الرقمية السلاح الحاسم في مواجهة الجرائم الإلكترونية، حيث لم يعد المتهمون قادرين على إنكار أفعالهم في ظل وجود دلائل دامغة على أجهزتهم الشخصية، ليتم تحرير محضر بالواقعة وإحالتها للنيابة العامة لمباشرة التحقيقات.
الواقعة الرابعة.. التجمع الأول.. الرقص الخادش يقود إلى السجن
وفي إطار الجهود المتواصلة لحماية المجتمع من المحتوى المبتذل، تمكنت الإدارة العامة لحماية الآداب من ضبط صانعة محتوى مقيمة بدائرة قسم شرطة التجمع الأول بالقاهرة، بعد نشرها مقاطع فيديو تتضمن ألفاظاً خارجة وأداء رقص بملابس خادشة للحياء.

المتهمة أقرت صراحة بأنها لجأت لهذه الطريقة من أجل رفع نسب المشاهدة وجني الأموال من خلال الهدايا الرقمية، ظناً منها أن هذه الوسيلة ستوفر لها الشهرة والثروة. غير أن يقظة أجهزة الأمن وضعت حداً لممارساتها، وأكدت أن القانون لا يفرق بين مقطع على الإنترنت أو فعل في الشارع، ما دام يمس القيم العامة ويهدد المجتمع. تم تحرير محضر بالواقعة وإحالتها للنيابة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

خبراء أمنيون: الداخلية تنتصر في معركة “الأخلاق الرقمية”
أكد خبراء أمنيون أن الضربات الأخيرة لوزارة الداخلية ضد صانعات المحتوى المبتذل تمثل انتصاراً جديداً في معركة حماية القيم المجتمعية، مشيرين إلى أن مواجهة هذا النوع من الجرائم لا تقل أهمية عن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وقال اللواء طارق مراد، الخبير الأمني، في تصريحات صحفية إن أجهزة الأمن طورت أدواتها بشكل كبير في متابعة الجرائم الرقمية، حيث باتت قادرة على رصد أي محتوى مخل ومتابعة أصحابه بدقة، بفضل التعاون بين وحدات الرصد الإلكتروني والإدارة العامة لحماية الآداب.
وأضاف أن هذه الحملات تحمل رسالة ردع قوية، مفادها أن الإنترنت ليس فضاءً بلا قانون، وأن من يظن أنه بمنأى عن المساءلة مخطئ تماماً.
فيما شدد اللواء محمود فوزي، مساعد وزير الداخلية الأسبق، في تصريحات صحفية على أن القانون واضح في تجريم الأفعال المنافية للآداب العامة حتى وإن تمت عبر منصات افتراضية، وأن هذه الجهود تسهم في حماية المجتمع من الانحراف القيمي وتغلق الطريق أمام محاولات بث الفوضى الأخلاقية.
خبراء علم الاجتماع والنفس والتعليم: خطر على القيم ووعي النشء
حذر خبراء في علم الاجتماع والنفس والتعليم من خطورة انتشار هذا النوع من المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدين أنه يمثل تهديداً مباشراً لوعي النشء ويشجع على ثقافة الثراء السريع بعيداً عن القيم الحقيقية للعمل والاجتهاد.
وأوضحت الدكتورة منى عبد الحميد، أستاذة علم الاجتماع، في تصريحات صحفية أن هذه الفيديوهات تسهم في تكريس صورة مغلوطة لدى الشباب بأن الشهرة والمال يمكن أن يتحققا عبر الابتذال، ما يضعف قيمة القدوة الإيجابية في المجتمع.
فيما أشار الدكتور سامي الجندي، أستاذ علم النفس، في تصريحات صحفية إلى أن الإدمان على متابعة هذا المحتوى قد يؤدي إلى اضطرابات سلوكية لدى المراهقين، بينها التقليد الأعمى وفقدان الانتماء للقيم الأسرية.
وقالت الدكتورة هالة فاروق، المتخصصة في مجال التربية، في تصريحات صحفية ان دور التعليم مهم في مواجهة الظاهرة، مؤكدة ضرورة إدماج برامج توعية رقمية في المناهج الدراسية، وتعزيز دور الأسرة في الرقابة الواعية على استخدام الأبناء للإنترنت.
تؤكد هذه الوقائع أن الطريق من “الدولارات والشهرة السريعة” إلى “القبض والسجن” أقصر مما يتصور البعض، وأن أي محاولة لاستغلال منصات التواصل الاجتماعي في نشر الفوضى الأخلاقية ستواجه بحزم من أجهزة الدولة المصرية.
إنها معركة وعي وأخلاق، لا تقل خطورة عن أي تحدٍ أمني آخر، والقانون فيها هو الدرع الحامي لقيم المجتمع والأسرة المصرية.










