في أعقاب حادثة اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك في جامعة بولاية يوتا، شهدت العاصمة واشنطن إجراءات أمنية مشددة لم يسبق لها مثيل منذ فترة، مع تحوّل واضح في طريقة تعامل إدارة ترامب مع التهديدات الواقعية والمتصورة ضد الرئيس دونالد ترامب، والحفاظ على استقرار المؤسسات الأمنية المحيطة بالرئاسة.
ما الذي تغيّر؟
أولى الخطوات كانت نقل مراسم تأبين ضحايا ذكرى أحداث 11 سبتمبر من موقعها المعتاد في البنتاجون إلى فناء داخلي مغلق، تجنبًا لأي خطورة من الطلقات أو الهجمات المحتملة، بعد مقتل كيرك أمس.
ثمّ تم تعزيز التدابير الأمنية عند حضور الرئيس ترامب لمباراة نيويورك يانكيز، حيث وُضعت حواجز أمنية إضافية وزُجّ بزجاج مقاوم للرصاص حول مقعده في الاستاد.
في البيت الأبيض، تعكس الإجراءات تحوّلًا حذرًا نحو استباق المخاطر، حيث قامت إدارة ترامب بتشديد الإجراءات الأمنية لكافة المواقع التي يتواجد فيها، مع حضور متزايد لأجهزة الخدمة السرية Secret Service، وتنسيق أكبر بين الأجهزة المختصة للحماية.
دوافع التغيير وردود الفعل الداخلية
مقتل تشارلي كيرك، وهو أحد أبرز منتجي الفيديوهات المؤثرة في التيار المحافظ، شكّل صدمة لدى إدارة ترامب، باعتباره ليس فقط شخصية سياسية، بل رمزًا للتعبير الحر من أنصار يمينيين. هذا الحادث استُخدم أيضًا في الخطاب السياسي حيث ألقت إدارة ترامب باللائمة على "اليسار المتطرف" – على حد تعبير بيان رسمي للرئاسة – في تصعيد العنف السياسي.
من جهة أخرى، الانتقادات لم تتأخر؛ بعض المراقبين يرى أن تأخر استجابة الأمن في الحوادث السابقة – كالتهديدات بمحاولة اغتيال الرئيس – أفقد الثقة بعض الشيء بجهاز الخدمة السرية، خاصة بعد تقرير من محكمة المراجعة الأمريكية كشف عدة إخفاقات في التنسيق والتنفيذ بعد محاولة الاغتيال في يوليو 2024.
الأبعاد والتداعيات المحتملة
سياسيًا: تعزيز الأمن بهذا الشكل يأتي في سياق استقطاب شديد، وقد يُسخَّن الخطاب السياسي المتبادل ويزيد من الاستقطاب، خاصة أن الخطاب الرئاسي أشار مرارًا إلى خطر "اليسار المتطرف" وتحميله المسؤولية عن جرائم العنف السياسي.
هذا بدوره قد يؤدي إلى تحوّل في السياسة الداخلية تجاه فرض قيود أقوى على التجمعات العامة أو خطاب الكراهية، أو حتى أنه يدفع أجنحة سياسية إلى المطالبة بإجراءات قانونية أو سياسية لضبط ما يعتبرونه خطاب تحريضي.
أمنيًا: يواجه الجهاز الأمني اختبارًا مزدوجًا، فمن جهة عليه حماية الرئيس وعدد كبير من الفعاليات العلنية، ومع ذلك الحفاظ على صورة من الانفتاح وعدم خلق جو من الخوف أو التوتر المفرط بين المواطنين. وقد يتطلب الأمر موارد إضافية، وتسريعًا لتنسيق المخابرات المحلية والفيدرالية، وربما مراجعة قواعد حماية المراسم العامة.
قانونيًا وأخلاقيًا: قد تُثار تساؤلات حول الخصوصية والحقوق المدنية، خصوصًا إذا ترافقت الإجراءات الأمنية مع قيود على التجمع أو حرية التعبير. كما أن استخدام الزجاج المقاوم للرصاص حول مقعد الرئيس، وإغلاق مساحات عامة أو تغيير مواقع فعاليات عامة، كلها إجراءات تحمل في طياتها توترًا بين الأمن وحرية المتظاهرين وحرية الصحافة.
إلى أين تتجه الأمور؟
من المتوقع أن تبقي إدارة ترامب على هذا المستوى من التشديد الأمني طالما استمرت التهديدات أو وقعت حوادث مقلقة، خاصة وسط أحداث عامة كذكرى 11 سبتمبر، أو مشاركات ترامب العلنية في فعاليات فيها حضور شعبي مكثف.
وفي الأجل المتوسط، قد يتمّ وضع سياسات أمنية جديدة تتضمّن بروتوكولات صارمة للأمن عند الفعاليات الرئاسية، وتعديلات في كيفية تنظيم الحضور العام، وربما توسيع صلاحيات الخدمة السرية أو التعاون مع الحرس الوطني National Guard في الولايات التي يُنظَر إليها كحاضنة لأي تهديدات محتملة.