في قلب بوركينا فاسو، تحولت الطفولة إلى ساحة حرب دامية، إذ لم يعد الأطفال مجرد ضحايا جانبيين للصراع، بل أصبحوا أهدافاً مباشرة لانتهاكات مروعة، من قتل وتشويه واغتصاب، إلى اختطاف وتجنيد قسري في صفوف الجماعات الإرهابية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وداعش الصحراء الكبرى. أرقام صادمة وتفاصيل دامية يكشفها تقرير أممي حديث، ترسم صورة مأساوية لمستقبل بلد غارق في دوامة العنف والفوضى.
تقرير أممي صادم
أصدر مجلس الأمن الدولي تقريراً حديثاً تناول وضع الأطفال في سياق النزاع المسلح داخل بوركينا فاسو خلال الفترة من 1 يوليو 2022 وحتى 30 يونيو 2024. وكشف التقرير عن حجم كارثي للانتهاكات الجسيمة، إذ بلغ عددها 2,483 انتهاكاً استهدفت 2,255 طفلاً، بينهم 1,310 من الذكور و750 من الإناث، إضافة إلى 195 طفلاً لم يُحدد جنسهم. كما تعرض أكثر من 220 طفل لانتهاكات متعددة ومتنوعة، الأمر الذي يعكس حجم المأساة الإنسانية المتفاقمة.
أنواع الانتهاكات
تعددت الانتهاكات بين قتل الأطفال وإصابتهم بعاهات مستديمة، واختطافهم وتجنيدهم قسراً في صفوف الجماعات الإرهابية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، وفرع تنظيم داعش في الصحراء الكبرى المعروف بـ«داعش الصحراء الكبرى».
وفي تعليقها على هذه النتائج، وجهت فيرجينيا غامبا، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، نداءً عاجلاً إلى جميع الأطراف المتورطة في الصراع، داعية إياهم إلى التوقف الفوري عن ارتكاب الانتهاكات، والإفراج عن جميع الأطفال المحتجزين، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
المسؤولية والأرقام
بين التقرير أن الجماعات المسلحة غير الحكومية تتحمل المسؤولية عن 1,610 انتهاك، في حين ارتكبت قوات الدفاع والأمن والميليشيات الموالية للحكومة 501 انتهاكاً، بينما لم يُحدد المسؤول عن 372 انتهاكاً آخر.
وقد سقط عدد من القتلى والجرحى من الأطفال نتيجة تبادل إطلاق النار بين أطراف مجهولة.
وأشار التقرير إلى مقتل 920 طفلاً وإصابة 466 آخرين بإعاقات دائمة، بينهم 190 ضحية نتيجة عبوات ناسفة محلية الصنع ومخلفات الحرب. كما سجلت وفاة فتاة بعد تعرضها للاغتصاب، ومقتل 20 طفلاً آخرين بعد إحراقهم.
جهود محدودة
نظمت السلطات البوركينابية برامج تدريبية لقوات الدفاع والأمن وميليشيا متطوعي الدفاع عن الوطن لتعريفهم بسبل حماية حقوق الطفل أثناء العمليات العسكرية.
ورحبت الأمم المتحدة بهذه الخطوة لكنها شددت على ضرورة اتخاذ تدابير احترازية ملموسة تضمن حماية الأطفال، خصوصاً عند مهاجمة معسكرات الجماعات المسلحة التي قد تضم أطفالاً مجندين.
تجنيد الأطفال
أفاد التقرير بأن الجماعات الإرهابية جندت واستغلت 257 طفلاً، بينهم 255 ذكراً وفتاتان تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاماً. وكان 193 منهم في صفوف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، و44 ضمن داعش الصحراء الكبرى. وقد شهد الربع الأخير من عام 2023 تصاعداً خطيراً في عمليات تجنيد الأطفال.
وأشار إلى أن دوافع التجنيد شملت الاختطاف، وضغوطاً من قيادات محلية وأقارب وآباء، بالإضافة إلى الإغراء بالمكاسب المالية والرغبة في الانتقام. وفي نوفمبر 2023 قتل 111 طفلاً جندتهم جماعة نصرة الإسلام في ضربات جوية نفذتها القوات البوركينابية بمنطقة الساحل.
اعتقالات وهجمات على البنية التحتية
خلال الفترة التي تناولها التقرير، أُودع 25 فتى في سجن شديد الحراسة في العاصمة واغادوغو بتهمة ارتباطهم المزعوم بجماعات مسلحة.
أمضى ستة منهم سنوات طويلة خلف القضبان بعد اعتقالهم في عمليات عسكرية. كما وثقت الأمم المتحدة 79 هجوماً على المدارس و53 هجوماً على المستشفيات. وظل 21% من مدارس البلاد مغلقاً حتى يونيو 2024، وهو ما حرم أكثر من 844 ألف طفل من حقهم في التعليم.
أزمة إنسانية متفاقمة
قدرت الأمم المتحدة أن نحو 6.3 مليون شخص، بينهم 3.4 مليون طفل، بحاجة ماسة إلى الحماية والمساعدات الغذائية والصحية. كما نزح أكثر من مليوني شخص معظمهم من الأطفال خلال فترة التقرير.
في المقابل، أوضح مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن حكومة بوركينا فاسو لم تحدّث بيانات النازحين منذ مارس 2023، فيما تشير تقديرات دبلوماسية وإنسانية إلى أن العدد الحقيقي يتراوح حالياً بين 3 و5 ملايين نازح، ما يعكس اتساع رقعة الأزمة وتعقدها بشكل غير مسبوق.