سلطت صحيفة آراب ويكلي الصادرة في لندن الضوء على الخطوة الإثيوبية المتمثلة في الافتتاح الرسمي لأكبر سد كهرومائي في أفريقيا، في حدث وصفته بأنه يحمل أبعادًا اقتصادية وسياسية عميقة، لكنه في الوقت نفسه يفتح جبهة جديدة من الخلافات مع مصر الواقعة في اتجاه مجرى النيل.
تتطلع حكومة أديس أبابا إلى أن يوفر سد النهضة، الذي بلغت تكلفته نحو 5 مليارات دولار، نقلة نوعية في قطاع الطاقة، حيث يصل ارتفاعه إلى 145 مترًا ويمتد لمسافة كيلومترين عبر النيل الأزرق على مقربة من الحدود السودانية. السد مُصمم لاستيعاب 74 مليار متر مكعب من المياه وتوليد 5000 ميغاواط من الكهرباء، أي أكثر من ضعف ما تنتجه إثيوبيا حاليًا.
وبحسب أفريكا ريبورت، يفتقر 45% من الإثيوبيين إلى الكهرباء، فيما تُجبر الانقطاعات المتكررة في العاصمة الشركات والأسر على الاعتماد على مولدات، ما يعزز أهمية المشروع داخليًا.
رئيس الوزراء آبي أحمد اعتبر السد "فرصة مشتركة"، مؤكدًا أنه سيحسن وصول المواطنين للكهرباء ويوفر فائضًا للتصدير إلى دول الجوار.
مصر: تهديد وجودي وأمن قومي
على الجانب الآخر، ترى القاهرة في المشروع "كارثة وشيكة"، إذ تعتمد مصر على نهر النيل لتلبية 97% من احتياجاتها المائية. الرئيس عبد الفتاح السيسي وصف السد مرارًا بأنه "تهديد وجودي"، متعهدًا باتخاذ كل ما يتيحه القانون الدولي للدفاع عن أمن مصر المائي.
وتؤكد دوائر مصرية أن القضية تتجاوز المياه إلى الأمن القومي، محذرة من أن أي انخفاض كبير في التدفقات سيؤثر على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
تنافس إقليمي ومواقف دولية
الخلاف حول السد، الذي بدأ بناؤه عام 2011، عمّق التنافسات الإقليمية. فقد عززت مصر علاقاتها مع إريتريا والصومال، اللتين ترتبطان بعلاقات متوترة مع إثيوبيا، كما نسقت مع السودان الذي يخشى بدوره من انخفاض حصته المائية رغم احتماله الاستفادة من تحسين إدارة الفيضانات وتوفير طاقة أرخص.
محاولات الوساطة التي قادتها الولايات المتحدة والبنك الدولي وروسيا والإمارات والاتحاد الأفريقي على مدى عقد لم تحقق اختراقًا، بينما أشار الباحث أليكس فاينز من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أن أديس أبابا تستخدم السد كـ"استراتيجية توحيدية" في ظل أزماتها الداخلية.
خيارات القاهرة: الدبلوماسية أولًا
ورغم أن خبراء يستبعدون لجوء مصر إلى ضربة عسكرية مباشرة، فإن التوقعات تشير إلى تكثيف القاهرة جهودها الدبلوماسية لتأمين اتفاق قانوني ملزم بشأن الملء والتشغيل.
المتحدث باسم الخارجية المصرية، تميم خلاف، أكد أن بلاده "تمارس حقها في اتخاذ جميع التدابير المناسبة للدفاع عن مصالح الشعب المصري وحمايتها".
لكن المحلل مات برايدن من مركز أبحاث ساهان حذر من أن فشل التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في العلاقات، معتبرًا أن "الوصول إلى مياه النيل أولوية استراتيجية وجودية للقاهرة، وهذه منطقة يزدهر فيها الصراع بالوكالة".