تمثّل احتياطيات الغاز الصخري في الجزائر إحدى أهم الأوراق التي تراهن عليها الدولة لتعزيز موقعها بصفتها موردًا موثوقًا للطاقة، وتوسيع صادراتها نحو أوروبا وآسيا، في وقت يتراجع فيه إنتاج الحقول التقليدية وتتزايد الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل.
وتعتزم شركة النفط الحكومية سوناطراك حفر 4 آبار استكشافية للغاز الصخري في أحواض آحنت وإليزي جنوب شرق البلاد، ضمن برنامج وطني للتنقيب، يمتد بين 7 و13 عامًا، ويتضمن حفر 11 بئرًا.
تأتي هذه الخطوة استكمالًا لمحاولات سابقة بدأت عام 2012 بحفر أول بئر استكشافية في آحنت، ما سمح بتقييم أفضل للاحتياطيات، التي وصفتها الدراسات بأنها "واعدة للغاية".
وحسب دراسة أميركية أُجريت بالتعاون مع شركة "أدفانسد ريسورس"، فإن الجزائر تضم 6 أحواض رئيسة تحتوي على احتياطيات قابلة للاستخراج تقنيًا، بينها مويدير، بركين-غدامس، تيميمون، رقان، وتندوف.
وتشير التقديرات الدولية إلى أن الجزائر تمتلك نحو 707 تريليونات قدم مكعبة من الغاز الصخري القابل للاستخراج، لتحتلّ المرتبة الثالثة عالميًا بعد الصين والأرجنتين.
موارد الغاز الصخري في الجزائر
قال أستاذ اقتصادات الطاقة، الأمين العام للمركز الجزائري للدراسات الاقتصادية والبحث في قضايا التنمية المحلية، البروفيسور ساري نصر الدين، إن موارد الغاز الصخري في الجزائر تمثّل إحدى أهم الثروات الطاقية غير التقليدية.
وأوضح نصر الدين -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- أن هذه الثروة تمنح الجزائر فرصة إستراتيجية لتعزيز مكانتها في أسواق الطاقة الدولية.
وأضاف أنّ توجُّه الجزائر نحو التنقيب عن الغاز الصخري يأتي في سياق عالمي يتّسم بارتفاع الطلب على الغاز، وتنامي الحاجة في السوق الأوروبية الإقليمية إلى مورد آمن وموثوق.
وأكد أن هذا التوجّه يهدف إلى تنويع قاعدة الإنتاج وضمان الأمن الطاقي على المدى الطويل، فضلًا عن تلبية احتياجات السوق الداخلية من الطاقة التي ترتفع سنويًا بنسبة تقارب 5% من الطلب المحلي.
وفيما يتعلق بالتحديات البيئية والاجتماعية، أوضح نصر الدين أن استهلاك المياه وتداعيات تقنية التكسير الهيدروليكي تظل أبرز المخاوف، لكنه شدد على أن اعتماد حلول تكنولوجية مبتكرة وإشراك السكان المحليين في الحوار يشكلان مدخلًا أساسيًا لتجاوز هذه التحديات وضمان انطلاقة سلسة مشروعات الإنتاج.
وأكد أن الجزائر نجحت في كسب هذا الرهان من خلال الحوار الفعّال والشراكات مع مؤسسات دولية رائدة، مما قلّل بشكل كبير من المخاوف البيئية.
وأضاف أن الجزائر تستند في هذا التوجه إلى إصلاحات قانونية مهمة، أبرزها قانون المحروقات لعام 2019 الذي وفر بيئة استثمارية أكثر جاذبية، إلى جانب شراكات إستراتيجية مع شركات عالمية رائدة مثل إكسون موبيل وشيفرون الأميركيتين وسينوبك الصينية.
تعزيز الصادرات
أشار البروفيسور ساري نصر الدين إلى أن استغلال الغاز الصخري في الجزائر قد يسمح برفع إنتاجها من الغاز من 137 مليار متر مكعب -حاليًا- إلى نحو 200 مليار متر مكعب سنويًا بحلول عام 2030.
ويرى نصر الدين أن الاستثمارات المرتقبة في هذا المجال قد تتجاوز 50 مليار دولار، ما يعزز قدرة الجزائر على زيادة صادراتها إلى أوروبا وآسيا، ويوفر الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
وأكد أن الجزائر مرشّحة لتحقيق إيرادات إضافية تفوق 25 مليار دولار سنويًا بحلول 2035، وهو ما سيعزز قدرتها على تمويل مشروعات التنمية وتوسيع استثماراتها في الطاقات المتجددة.
وقال: "إذا نجحت الجزائر في هذا المسار، فإنها ستتحول إلى فاعل رئيس في سوق الغاز العالمية، ليس فقط كونها مصدرًا تقليديًا للغاز الطبيعي، بل أيضًا بصفتها أحد أبرز منتجي الغاز الصخري، بما يمنحها وزنًا جيوسياسيًا متزايدًا، ويسهم في تعزيز أمن الطاقة على المستويين الإقليمي والدولي".
ومن جانبه، أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة تبسة، البروفيسور عثمان عثمانية، أن الدراسة الدولية التي قدّمتها إدارة استخبارات الطاقة الأميركية عام 2011، وشملت 38 بلدًا حول العالم، بيّنت أن الجزائر تمتلك احتياطيات هائلة من الغاز الصخري قُدِّرت بـ20 تريليون متر مكعب، وهو ما يضعها عالميًا وراء الصين والأرجنتين وقبل الولايات المتحدة الأميركية.
تراجع إيرادات المحروقات
يقول عثمانية: "أعتقد أن الوصول إلى دعم شعبي لبدء عمليات الاستخراج أمر مستحيل، ولكن في الوقت نفسه لن تكون هناك معارضة شعبية حادّة مثلما كان عليه الأمر سابقًا، بالنظر إلى نضج تجربة استغلال الغاز والنفط الصخريين في عدّة مناطق بالعالم".
وتابع: "أصبح هناك إدراك اليوم لحجم التحديات الاقتصادية التي تحيط بالاقتصاد الوطني، ومن بينها تراجع إيرادات المحروقات التي يعتمد عليها الاقتصاد أساسًا، مما ينعكس بوضوح على الجانب الاجتماعي".
وتابع عثمانية -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أنه يمكن تعويض تراجع إيرادات المحروقات من خلال تعزيز استغلال الغاز الصخري، الذي سيعزز دور الجزائر بصفتها مصدرًا رئيسًا للغاز في العالم.
واستطرد: "اليوم هناك العديد من الشركاء الذين لديهم تجربة مهمة في هذا المجال، مثل شركتي إكسون موبيل وشيفرون، وهذا مطمئن إلى حدّ كبير، خاصةً أن المعارضة السابقة كانت نتيجة التخوف من تلوث المياه الجوفية التي يعتمد عليها كثيرًا ساكنو الصحراء، مما يدعو السلطات إلى تقديم ضمانات كافية حتى تسود الثقة بينها وبين سكان هذه المناطق".
تلبية الطلب الداخلي
أوضح البروفيسور عثمان عثمانية أن هناك عدّة عوامل تدفع بالجزائر للتوجه نحو الغاز الصخري، أوّلها أن الدولة تشهد تراجعًا في عائدات المحروقات نتيجة تذبذب الأسعار الناتج عن عدّة عوامل جيوسياسية، بما يؤثّر في برامجها الاقتصادية.
وأكد أن هذا التوجه يرتبط -أيضًا- بسعي الجزائر للحفاظ على موقعها بمثابة أحد أهم مصدري الغاز للقارة الأوروبية، خاصة أن الدولة تُعدّ شريكًا موثوقًا في هذا المجال، وتمتلك بنية تحتية موجودة فعلًا قادرة على إيصال الغاز لأوروبا.
وأضاف أن هذا التوجه يُعدّ -أيضًا- ضروريًا لتحقيق الأمن الطاقي، وهو هدف تبنّته السلطات منذ مدة، خاصةً أن الجزائر تمتلك احتياطيات هائلة من الغاز الصخري، وهو ما يمكن أن يعزز موقعها الطاقي على المستويين الإقليمي والعالمي، ويلبي الطلب الداخلي المتزايد على الغاز.
وأوضح أن هناك عدّة دراسات تشير إلى عوائد ضخمة، تصل إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2040، وخلق ما لا يقل عن 200 ألف وظيفة، إلّا أن ذلك سيعتمد أساسًا على القدرة على التحكم في التكاليف في ظل انخفاض أسعار الغاز بالأسواق العالمية، وأيضًا القدرة على معالجة التأثيرات الجانبية المحتملة، خاصة على المياه الجوفية والبيئة المحيطة بمناطق الاستخراج.
استغلال الموارد
قال الباحث بوحدة أبحاث الطاقة، الدكتور رجب عز الدين، إن فشل تجربة التنقيب عن الغاز الصخري في عين صالح عام 2015 كان بسبب غياب مشاركة السكان، خاصة في ظل الجدل العلمي حول تقنية التكسير الهيدروليكي ومخاوف تلوث -أو نقص- المياه الجوفية شديدة الحساسية في المجتمعات الصحراوية.
وأكد عز الدين -في تصريحاته إلى منصة الطاقة- أن الحوار مع السكان وتشديد الاشتراطات البيئية ومشاركتهم في عوائد التنمية يمكن أن يغير المعادلة، مقترِحًا بدء المشروعات في مناطق بعيدة عن التجمعات السكانية.
وأشار عز الدين إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022 منحت الجزائر فرصة قوية لتعويض تراجع احتياطاتها التقليدية عبر استغلال موارد الغاز الصخري التي تُقدَّر بـ20 تريليون متر مكعب، بما يعزز موقعها بصفتها موردًا رئيسًا لأوروبا بعد قرارها الاستغناء عن الغاز الروسي.
وأوضح أن النفط والغاز يشكّلان 60% من إيرادات الجزائر و90% من مواردها من النقد الأجنبي، ما يجعل تعزيز الصادرات ضرورة اقتصادية ملحّة، متوقعًا أن تتمكن الدولة من مضاعفة صادراتها إلى 100 مليار متر مكعب بحلول 2030، إذا سرّعت استغلال احتياطياتها غير التقليدية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..