ذكرت صحيفة صنداي تايمز أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يواجه أزمة سياسية تستعصي على الحل، وهو ما يضع رئاسته للحكومة على المحك.
فبعد مرور عام مليء بالأخطاء والتخبط والاستقالات، يطرح المراقبون تساؤلات، وربما أيضًا شكوكًا، حول قدرته على إنقاذ حكومته المتعثرة.
هذا الوضع المضطرب، الذي وصفه الكاتب جايسون كولي بأنه "انحراف وكارثة"، لا يقتصر تأثيره على الشارع البريطاني فحسب، بل يمتد إلى داخل صفوف حزب العمال نفسه وفقًا لصحيفة التايمز اليومية.
فضيحة راينر: من رمز لمكافحة الفساد إلى عامل رئيسي في تفجير أزمة مشتعلة
كانت الأزمة الأبرز التي هزت حكومة ستارمر هي استقالة نائبته، أنجيلا راينر، في أعقاب تحقيق يتعلق بالتهرب الضريبي.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن هذه الاستقالة لم تكن مجرد حدث عادي، بل كانت بمثابة ضربة قاصمة لمصداقية الحزب.
وكانت راينر قد استثمرت في بناء صورتها السياسية كـ"بطلة مكافحة الفساد" و"صوت الطبقة العاملة" التي تفهم معاناة الناس العاديين، وأصبحت فجأة مثالًا على ما كان الحزب يهاجمه في خصومه من المحافظين، وهو ما جعل الأمر "مؤلمًا بشكل خاص" لحزب العمال، وفقًا لتقرير لورا كوينسبيرج بهيئة الإذاعة البريطانية.
كما أكدت كوينسبيرج أن هذه الفضيحة كشفت عن تناقض صارخ بين ما يدعيه الحزب وما يمارسه قادته. وقد أضعفت بشكل كبير حجة حزب العمال بأنه "مختلف" عن الحكومات السابقة التي عانت من الفضائح. كما أنها قدمت هدية لا تقدر بثمن لحزب "إصلاح المملكة المتحدة" وزعيمه نايجل فاراج، الذي استغل الفوضى ليؤكد أن "الحزبين الكبيرين سيئان بنفس القدر، وأن النظام السياسي برمته فاسد".
كما استغل فاراج الفضيحة لتأكيد أن السياسيين يعيشون في عالم مختلف عن المواطنين العاديين، خاصة وأن الصفقة العقارية التي أدت إلى سقوط راينر لا يمكن أن يتخيلها الكثيرون من عامة الشعب.
هذا الشعور بأن النخبة تعيش في عالم آخر يعزز من رواية فاراج حول الحاجة الماسة إلى إصلاح شامل للنظام.
ويشير تقرير لمجلة "كونفرسيشن" إلى أن راينر قد تكون قد تعمدت تغيير عنوان منزلها بشكل غير قانوني من أجل تجنب دفع الضرائب، وهو ما يُعرف في بريطانيا باسم "احتيال المسكن"، وقد نفت راينر ارتكاب أي مخالفة، لكن عدم تقديمها إجابات واضحة لجميع الأسئلة حول هذا الأمر أدى إلى استمرار القضية، مما يشكل مشكلة كبيرة لزعيم حزب العمال، كير ستارمر، الذي نأى بنفسه عن تصرف نائبته زاعمًا أنه لم يقل أبدًا أنه يثق فيها بنسبة 100%، وفقًا لصحيفة التليجراف.
تشكيل وزاري جديد: محاولة للسيطرة وإعادة بناء الثقة
في محاولة لاحتواء الأزمة وإعادة بناء الثقة، قام ستارمر بعملية إعادة تشكيل واسعة لحكومته.
هذه الخطوة، التي كانت مقررة منذ فترة لكنها تأتي الآن على عجل بسبب استقالة راينر، تهدف إلى إظهار أن الحكومة "قادرة على العمل" وأنها "دخلت مرحلة جديدة وقوية من الرئاسة"، وفقًا لما نقلته بلومبرج عن مصدر حكومي.
من بين التعيينات الرئيسية التي تهدف إلى تحقيق هذا الهدف، كان نقل ديفيد لامي إلى منصب نائب رئيس الوزراء، وشعبانة محمود إلى وزارة الداخلية.
وقد أشار تقرير لصحيفة "الجارديان" إلى أن هذا التعديل الوزاري يهدف إلى تعزيز "السيطرة" و"القوة" في مواجهة التحديات المتزايدة، خاصة في قضايا مثل الهجرة غير الشرعية.
ومن اللافت للنظر أن ستارمر لم يتردد في التضحية ببعض الأفراد الذين اعتبروا "عقبة" أو مصدر "متاعب" أمام تحقيق هذا الهدف، وهو ما يبرز إصراره على فرض رؤيته ونهجه.
وقد وصفت مصادر داخل 10 داونينج ستريت، مقر الحكومة، الأمر بأنه "فرصة للخروج من الأزمة بشكل استراتيجي".
تحديات داخلية وخارجية: هل يستطيع ستارمر الصمود؟
على الرغم من محاولة ستارمر إعادة لملمة حكومته، فإن التحديات التي يواجهها لا تزال قائمة.
فمن الداخل، حذرت شارون جراهام، الأمين العام لنقابة "يونايت"، من أن حزب العمال قد يخسر دعم العمال إذا لم يلتزم بوعوده بشأن حقوق العمل، مشيرةً إلى أن فاراج يستغل هذا التراجع لصالحه.
كما أن بعض المسؤولين في حزب العمال يعبرون عن إحباطهم من "عدم وجود رؤية سياسية واضحة" لستارمر، وهو ما يجعل من الصعب اتخاذ قرارات سياسية حاسمة.
أما على الصعيد الخارجي، فتواجه الحكومة الجديدة تحديات دبلوماسية معقدة. فوزير الخارجية الجديد، بيتر كايل، سيتعين عليه التعامل مع إدارة دونالد ترامب، وهو ما يتطلب حذرًا ودقة في العلاقات الخارجية البريطانية.
كما أن التحديات الاقتصادية لا تزال قائمة، حيث يرى البعض أن الحكومة لم تفعل ما يكفي لتعزيز النمو، مما يضع ضغطًا إضافيًا على ستارمر وفريقه.
وكشف الوضع الحالي أن ستارمر قد ينجو من العواصف السياسية، لكن عليه أن يثبت قدرته على القيادة وتحقيق نتائج ملموسة.
فالتعديلات الوزارية وحدها لا تكفي لإعادة بناء الثقة، بل يجب أن يتبعها "تنفيذ، تنفيذ، تنفيذ" للوعود التي قطعها على نفسه، وإلا فسوف يجد نفسه أمام أعذار أقل وفشل محتوم.