وسط تصاعد الضغوط السياسية والأمنية، عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليطرح تفاؤلاً حذراً بشأن قرب التوصل إلى اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، يتضمن إطلاق سراح رهائن إسرائيليين محتجزين لدى حركة «حماس»، لكن في المقابل، جاءت ردود الحركة حادة، متهمة نتنياهو صراحة بعرقلة مسار المفاوضات ورفض صفقة شاملة تشمل جميع المحتجزين.
في تصريحاته الأخيرة من واشنطن، قال نتنياهو إن هناك صفقة مرتقبة مدتها 60 يوماً قد يتم تنفيذها خلال أيام، تتضمن إطلاق سراح دفعة من الرهائن، مع استغلال فترة الهدنة لمحاولة التوصل إلى اتفاق نهائي، واعتبر أن الحرب يمكن أن تنتهي "غداً أو اليوم" في حال ألقت «حماس» سلاحها.
لكنّ هذه التصريحات، التي جاءت بالتزامن مع استمرار المفاوضات غير المباشرة في الدوحة، أثارت رد فعل عنيف من جانب «حماس»، التي رأت في كلام نتنياهو تأكيداً لما وصفته بـ«النية السيئة»، متهمة إياه بإجهاض مساعي التوصل إلى صفقة شاملة للإفراج المتبادل عن الأسرى، ورفضه الانسحاب الكامل من غزة أو فتح المجال أمام المساعدات الإنسانية.
شروط تعجيزية
وفي قراءته لمعادلة التفاوض، يحاول نتنياهو أن يُظهر نفسه في موقع الطرف المُبادر نحو الحل، لكنّه يضع سقفاً سياسياً وأمنياً منخفضاً لأي اتفاق، عبر التأكيد على أن «حماس» هي من تعيق الهدنة، وأنه لن يقبل بأي تسوية لا تتضمن نزع سلاحها أو تفكيك بنيتها العسكرية، في الوقت نفسه، يستخدم قضية الرهائن كورقة ضغط في الداخل الإسرائيلي، مع تصاعد الانتقادات لعجز حكومته عن إعادتهم منذ أكثر من تسعة أشهر على اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023.
من الناحية الاستراتيجية، يبدو أن نتنياهو يحاول كسب الوقت عبر هدنة مؤقتة، تمنحه هامشاً للمناورة السياسية مع الحليف الأميركي من جهة، ولإعادة ترتيب أوراقه داخلياً مع ارتفاع الأصوات المطالبة برحيله من جهة أخرى. أما حركة «حماس»، فهي بدورها تستخدم خطاب "التعامل الإيجابي والمسؤول" في المفاوضات، لتبرئة نفسها أمام الرأي العام الإقليمي والدولي، وللظهور بمظهر الطرف المستعد لتسوية عادلة تشمل وقفاً شاملاً للعدوان وتدفقاً إنسانياً آمناً للمساعدات.
تباين جوهري
التباين الجوهري بين الطرفين يتمثل في مضمون الصفقة وحدودها: فبينما تسعى إسرائيل إلى صفقة مجتزأة ومحدودة زمنياً، تصر «حماس» على شمولية الاتفاق، بما في ذلك إنهاء الاحتلال والانسحاب الكامل ورفع الحصار.
وبين حسابات الربح السياسي والمعاناة الإنسانية على الأرض، يظل مصير مئات الآلاف من المدنيين في قطاع غزة معلّقاً بمفاوضات معقّدة تتجاذبها الحسابات الداخلية والخارجية، في وقتٍ تُحذر فيه تقارير دولية من انهيار تام للبنية الإنسانية في القطاع.