أخبار عاجلة

بؤرة الدم في خيبربختونخوا.. الإرهاب العابر للحدود يربك باكستان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عادت ولاية خيبر بختونخوا إلى صدارة مشهد العنف في باكستان بعدما شهدت الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025 أكثر من 600 حادث إرهابي، لتصبح مرة أخرى بؤرة للاضطرابات الأمنية التي تهدد المدنيين وأفراد الأمن على حد سواء. ووفقًا لتقرير صادر عن شرطة الولاية، فقد تم تسجيل 605 حوادث إرهابية حتى نهاية شهر أغسطس الماضي، أسفرت عن استشهاد 138 مدنيًا وإصابة 352 آخرين، بينما استشهد 79 من عناصر الشرطة وأصيب 130 آخرون خلال الفترة ذاتها، في مؤشر على تصاعد خطر الجماعات المسلحة التي تنشط في هذه المنطقة الحدودية.

ويكشف التقرير أن شهر أغسطس وحده كان شاهدًا على حصيلة دامية، حيث استشهد 17 مدنيًا وأصيب 51 آخرون، بينما استشهد 13 من عناصر الشرطة وأصيب 46 آخرون في 129 حادثة إرهابية وقعت خلال الشهر. وفي إطار مواجهة هذه التحديات، أعلنت الأجهزة الأمنية أنها تمكنت من تحديد هوية 351 مشتبها بهم في حوادث إرهابية جرت خلال أغسطس، مشيرة إلى أن 32 منهم قُتلوا في مواجهات مباشرة، فيما تم اعتقال خمسة آخرين.

وتصدرت منطقة بانو المشهد خلال الشهر ذاته بتسجيلها أعلى عدد من الحوادث الإرهابية بلغ 42 حادثًا، فيما شهدت شمال وزيرستان 15 حادثًا، و14 حادثًا في جنوب وزيرستان، إضافة إلى 11 حادثًا في منطقة دير، ما يعكس الانتشار الواسع للعمليات المسلحة داخل مختلف أنحاء الولاية. ويأتي هذا التصاعد بعد أيام فقط من هجوم دموي استهدف مقر الشرطة الفيدرالية في خيبر بختونخوا، حيث استشهد ستة من أفراد الجيش والشرطة الفيدرالية بعد أن شن مسلحون مدعومون من الخارج هجومًا مباغتًا على المنشأة الأمنية.

وبحسب بيان صادر عن الذراع الإعلامية للجيش الباكستاني، فإن خمسة مسلحين حاولوا اقتحام محيط مقر الشرطة مستخدمين سيارة محملة بالمتفجرات اصطدمت بالجدار الحدودي ما أدى إلى انهيار جزء منه، غير أن قوات الأمن تمكنت في عملية لاحقة من قتل جميع المهاجمين الخمسة قبل أن يوسعوا دائرة استهدافهم. ويعكس هذا الهجوم نوعية العمليات التي تنفذها الجماعات المسلحة والتي تمزج بين أساليب التفجير والاقتحام المباشر لتعظيم الخسائر الأمنية.

ولم تقتصر الهجمات على خيبر بختونخوا فقط، إذ أشار تقرير صادر عن معهد باكستان لدراسات الصراع والأمن (PICSS)، وهو مركز أبحاث مقره إسلام آباد، إلى أن البلاد شهدت خلال شهر يونيو الماضي وحده 78 هجومًا إرهابيًا، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص، من بينهم 53 من أفراد الأمن، و39 مدنيًا، إلى جانب ستة مسلحين وعضوين في لجان السلام المحلية التي تشكلت لمساندة السلطات في مواجهة المسلحين. كما أسفرت تلك الأحداث عن إصابة 189 شخصًا، بينهم 126 من عناصر الأمن و63 مدنيًا.

ويضيف التقرير أن أعمال العنف والاشتباكات المسلحة خلال يونيو وحده أسفرت في مجملها عن مقتل 175 شخصًا، بينهم 55 من أفراد الأمن، و77 مسلحًا، و41 مدنيًا، وعضوان في لجان السلام، في حين تواصل قوات الأمن بالتعاون مع وكالات إنفاذ القانون عملياتها الميدانية، وكان آخرها حملة استهدفت عناصر مسلحة في منطقة باجور التابعة لولاية خيبر بختونخوا، وهو ما يعكس اتساع نطاق المواجهات الأمنية في الإقليم.

وتشير البيانات المتتالية إلى أن الهجمات الإرهابية لم تعد مجرد عمليات متفرقة، بل أصبحت جزءًا من نمط متصاعد يسعى خلاله المسلحون إلى تثبيت موطئ قدم دائم في هذه المنطقة الحساسة، مستفيدين من وعورة الجغرافيا وتعقيد المشهد القبلي.

 

خيبر بختونخوا.. بؤرة للاضطرابات

تقع خيبر بختونخوا في شمال غرب باكستان، وتشكل منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة لكونها تجاور الحدود الأفغانية عبر ما يعرف بخط دوراند. ويبلغ عدد سكانها قرابة 35 مليون نسمة، معظمهم من قومية البشتون التي تمتد جذورها على جانبي الحدود بين باكستان وأفغانستان، ما يجعل الإقليم ساحة تداخل اجتماعي وثقافي وسياسي بالغ التعقيد. وقد لعبت هذه الخصوصية دورًا في جعل الولاية نقطة جذب للجماعات المسلحة منذ عقود، حيث استغلت التنظيمات الإرهابية البنية القبلية وضعف التنمية الاقتصادية للتمركز في المناطق الجبلية والريفية.

ومنذ الغزو السوفيتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، أصبحت خيبر بختونخوا مسرحًا رئيسيًا لنشاط الجماعات الجهادية، حيث استُخدمت أراضيها كممر لتدفق المقاتلين والعتاد. ومع عودة حركة طالبان إلى السلطة في كابول عام 2021، تصاعدت المخاوف من أن تجد الجماعات المسلحة في باكستان، وعلى رأسها حركة طالبان باكستان (TTP)، فرصة لإعادة تنظيم صفوفها والانطلاق من جديد عبر المناطق الحدودية.

وتتمتع مناطق مثل شمال وجنوب وزيرستان وكرم وباجور بسمعة تاريخية كملاذات للجماعات الإرهابية، حيث تتسم بتضاريس جبلية وعرة تعيق عمل القوات النظامية. كما أن قرب الإقليم من خط الإمداد الرئيسي الذي يربط باكستان بأفغانستان يمنحه أهمية عسكرية وأمنية مضاعفة، إذ تحاول الجماعات المسلحة تعطيل الاستقرار لفرض نفوذها على هذه الممرات الحيوية.

ومع أن الحكومات المتعاقبة حاولت فرض سيطرتها على الإقليم عبر إدماجه إداريًا في النظام الفيدرالي الباكستاني وإلغاء نظام المناطق القبلية، إلا أن التحديات الأمنية ما زالت متصاعدة. وتشير تقارير أمنية إلى أن حركة طالبان باكستان تمكنت في السنوات الأخيرة من إعادة بناء شبكاتها داخل خيبر بختونخوا، مستفيدة من هشاشة الأوضاع الاقتصادية والحدودية في الإقليم.

 

مواجهة حكومية وعسكرية

أمام هذا التصاعد اللافت، تؤكد الحكومة الباكستانية أن مكافحة الإرهاب في خيبر بختونخوا تمثل أولوية قصوى. فقد أطلق الجيش الباكستاني منذ عام 2014 سلسلة عمليات عسكرية واسعة، مثل "ضرب عضب" و"رد الفساد"، والتي نجحت في تفكيك العديد من البنى التحتية للجماعات الإرهابية. غير أن المعطيات الحالية تكشف أن تلك الجماعات أعادت ترتيب صفوفها بشكل متكرر، ما دفع السلطات إلى الإعلان عن استراتيجيات جديدة تستند إلى تكثيف التنسيق بين الجيش والشرطة ووكالات الاستخبارات.

وفي بيانات رسمية، شدد الجيش على أن التضحيات التي يقدمها أفراده في مواجهة الإرهاب تمثل ثمنًا لا بد من دفعه من أجل حماية الأمن القومي، مؤكدا في الوقت ذاته عزمه مواصلة العمليات حتى القضاء على آخر معاقل المسلحين. وتعمل الحكومة من جانبها على تعزيز دور لجان السلام المحلية وإشراك الزعامات القبلية في جهود حفظ الأمن، إدراكًا منها بأن المواجهة لا يمكن أن تكون عسكرية فقط، بل تحتاج أيضًا إلى بعد اجتماعي وتنموي يضعف قدرة الجماعات على استقطاب عناصر جديدة.

وتبقى التحديات الاقتصادية عاملًا إضافيًا يفاقم من خطورة المشهد، حيث يعاني الإقليم من نسب بطالة مرتفعة ونقص في الخدمات الأساسية، وهو ما يوفر بيئة خصبة لخطاب الجماعات المتطرفة. وبالرغم من الجهود الحكومية لإطلاق مشاريع تنموية في مجالات التعليم والبنية التحتية، إلا أن استمرار العمليات الإرهابية يعيق تلك المبادرات ويجعلها بطيئة في تحقيق أهدافها.

وتذهب قراءات إلى أن خيبر بختونخوا ستظل ساحة رئيسية للصراع مع الإرهاب في باكستان ما لم يتم الجمع بين العمل الأمني المكثف والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يضعف الحواضن المحلية ويقطع خطوط الإمداد عبر الحدود الأفغانية. ومع تواصل الهجمات الدامية، يظل المشهد مفتوحًا على احتمالات تصعيد أكبر قد يمتد أثره إلى الداخل الباكستاني بشكل أوسع، ما يضع الحكومة والجيش أمام تحديات متزايدة في معركة طويلة الأمد مع الإرهاب.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق توقعات الأبراج وحظك اليوم الجمعة 5 سبتمبر 2025: برج الجوزاء.. الكلام وحده لا يكفي
التالى "إي تاكس" تحتفي بنجاح وزارة المالية في "التسهيلات الضريبية"