في أسواق الطاقة، كل خبر صغير قد يهز الموازين ويعيد تشكيل اتجاه الأسعار، وبين أجواء جيوسياسية متوترة وأرقام اقتصادية مرتقبة، وجد النفط نفسه اليوم في قلب معادلة معقدة تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد، والطلب بالعرض.
أسعار النفط العالمي اليوم
شهدت أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً خلال تعاملات اليوم الثلاثاء، مدفوعة بمخاوف متزايدة بشأن احتمالات تراجع الإمدادات العالمية نتيجة استمرار التصعيد العسكري بين روسيا وأوكرانيا.
قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي
ويترقب المستثمرون في الوقت ذاته صدور بيانات التوظيف الأمريكية، التي قد تشكل منعطفاً مؤثراً في قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الخاصة بمسار أسعار الفائدة.
خام برنت ارتفع بمقدار 1.12 دولار، أي بنسبة 1.6%، ليسجل 69.27 دولاراً للبرميل بحلول الساعة 08:54 بتوقيت غرينتش، أما خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي فقد تقدم بنسبة أكبر بلغت 2.77%، ليصل إلى 65.78 دولاراً للبرميل، مستفيداً من تعويض عطلة الأسواق الأمريكية يوم الاثنين.
استمرار مستويات جيدة من الاستهلاك النفطي
على صعيد الطلب، ورغم انتهاء موسم القيادة الصيفي في الولايات المتحدة، فإن التقديرات لا تزال تشير إلى استمرار مستويات جيدة من الاستهلاك النفطي، وسط توقعات بسحب إضافي من مخزونات الخام الأمريكية، الأمر الذي يمنح الأسعار دعماً إضافياً.
أما جانب العرض، فقد ازداد القلق العالمي بعد أن أغلقت هجمات أوكرانية بطائرات مسيرة عدداً من منشآت التكرير الروسية، ما أدى إلى تعطيل ما يقارب 17% من طاقة التكرير في البلاد، أي ما يعادل أكثر من مليون برميل يومياً.
وتتجه الأنظار أيضاً إلى اجتماع "أوبك+" المرتقب في السابع من سبتمبر، حيث يُرجَّح أن تواصل المنظمة وحلفاؤها التمسك بالتخفيضات الطوعية الحالية البالغة نحو 1.65 مليون برميل يومياً، وهي السياسة التي ساعدت في تثبيت الأسعار خلال الأشهر الماضية.
ورغم هذه العوامل الداعمة، يحذر محللو البنوك الدولية من إمكانية تراجع أسعار النفط إلى متوسط 55 دولاراً للبرميل بنهاية العام الحالي، قبل أن تتدخل "أوبك+" مجدداً بخفض الإنتاج في 2026 للحفاظ على توازن السوق.
وفي المقابل، يظل مستقبل الأسعار مرتبطاً أيضاً بالاقتصاد الأمريكي؛ إذ ينتظر المستثمرون بيانات الوظائف الجديدة، التي قد تدفع الفيدرالي لاعتماد سياسة أكثر تيسيراً عبر خفض الفائدة، ما قد ينعكس إيجابياً على النشاط الاقتصادي وبالتالي على الطلب النفطي.
ويرى خبراء الطاقة أن المرحلة المقبلة ستشهد تقلبات حادة، مع استمرار الغموض الجيوسياسي من جهة، والضبابية الاقتصادية من جهة أخرى، ليظل النفط محكوماً بمزيج معقد من العوامل التي تجعل مساره غير قابل للتنبؤ بدقة.