التايكوندو المصري.. قصة نجاح ممتدة من البطولات المحلية إلى العالمية
مصر نجحت في اعتلاء منصات التتويج وحصد ميداليات أولمبية فى اللعبة
تامر صلاح أحرز أول ميدالية لمصر في أثينا 2004.. وهداية ملاك تكتب التاريخ كأول لاعبة عربية تحصد الميداليات.. وعيسي يكمل الطريق
أحمد الفولي الأب الروحي للتايكوندو المصري باعتراف صناع اللعبة
تعد رياضة التايكوندو واحدة من أهم فنون القتال والدفاع عن النفس التي حجزت لنفسها مكانة بارزة على الساحة العالمية.
وكلمة "تايكوندو" تتكون من ثلاثة مقاطع: "تاي" ويشير إلى القدم ويعبر عن مهارة استخدام الأقدام، و"كوان" ويقصد بها قبضة اليد، أما "دو" فتعني الطريقة أو الأسلوب. وبذلك يصبح معنى الكلمة كاملا هو "طريقة تسديد الركلات واللكمات"، أي فن الدفاع عن النفس باستخدام القدم والقبضة.
هذا التفسير يوضح جوهر اللعبة التي تعتمد على السرعة والمهارة والانضباط، وهي عناصر جعلتها من الرياضات الأكثر انتشارا في العالم، حيث يجمع التايكوندو بين القوة البدنية والجانب الفني والذهني.
جذور التايكوندو ونشأته
ترجع نشأة التايكوندو إلى مملكة كوجوريو في شبه الجزيرة الكورية، حيث كان فناً تقليدياً يمارس في الطقوس الدينية على أنغام موسيقية متعارف عليها في تلك الحقبة. وقد مارسه الرجال والنساء والأطفال وكبار السن، سواء بدافع المتعة أو كوسيلة للدفاع عن النفس. ومع مرور الوقت احتضنت كوريا الجنوبية هذه الرياضة، وأصبحت مركزاً رئيسياً لتطويرها وصياغة قوانينها، حتى تأسس الاتحاد الدولي للتايكوندو عام 1972 في كوريا. ومنذ ذلك الحين انطلقت اللعبة لتغزو العالم، حتى أصبحت رياضة أولمبية رسمية.
دخول التايكوندو إلى مصر

عرفت مصر رياضة التايكوندو في سبعينيات القرن الماضي، حيث تأسس الاتحاد المصري للتايكوندو عام 1978 برعاية وزارة الشباب والرياضة، ومنذ ذلك الوقت بدأت اللعبة تنتشر تدريجياً في الأندية ومراكز الشباب، حتى أصبحت من الرياضات التي تحظى بجماهيرية كبيرة. وكان تأسيس الاتحاد المصري نقطة تحول مهمة، إذ ساهم في تنظيم البطولات المحلية والمشاركة في المنافسات القارية والدولية. واليوم تعد مصر من أبرز الدول العربية والإفريقية في هذه اللعبة، ولها تاريخ طويل من الإنجازات على المستوى الأولمبي والعالمي.
إنجازات التايكوندو المصري في الأولمبياد

رغم صعوبة المنافسة على المستوى العالمي، إلا أن مصر نجحت في ترك بصمة واضحة في الأولمبياد من خلال أربع ميداليات برونزية.. البداية كانت مع البطل تامر صلاح الذي أحرز البرونزية في أثينا 2004، ثم جاءت البطلة هداية ملاك لتكتب التاريخ بتحقيقها ميداليتين برونزيتين في ريو دي جانيرو 2016 وطوكيو 2020، لتصبح أول لاعبة عربية تحقق هذا الإنجاز.

وفي أولمبياد طوكيو أيضا، حقق سيف عيسى الميدالية البرونزية ليضيف إنجازا جديدا. هذه النجاحات وضعت التايكوندو المصري في صدارة الرياضات الفردية التي مثلت مصر بجدارة في المحافل العالمية.
رموز صنعت التاريخ

شهدت مصر بروز أسماء كبيرة في التايكوندو ساهمت في وضع اللعبة على الخريطة العالمية. ويأتي في مقدمتهم البطل عمرو خيري، الذي يعد أول مصري وإفريقي يفوز ببطولة العالم للتايكوندو عام 1989 بعد انتصاره على بطل كوريا في الوزن الثقيل. ولم تتوقف إنجازاته عند ذلك، إذ أحرز فضية وبرونزية في الأولمبياد عندما كان التايكوندو رياضة استعراضية، كما قاد المنتخب المصري لاحقا كمدرب لتحقيق بطولات عالمية.
ومن بين الأبطال أيضا تامر عبد المنعم الذي حقق ذهبية مصرية تاريخية في بطولة العالم، وكذلك البطلة شيماء صبحي التي فازت ببطولة إفريقيا والعربية وأمريكا المفتوحة لتصبح أول مصرية تشارك في الأولمبياد.
التايكوندو النسائي


لم يكن حضور المرأة المصرية في التايكوندو أقل شأناً، فقد برزت أسماء مثل هداية ملاك التي أصبحت أيقونة للرياضة النسائية بتحقيقها ميداليتين أولمبيتين، وشيماء صبحي التي اقتحمت الساحة الإفريقية والعربية، وكارولين ماهر التي صنعت تاريخا استثنائيا بفضل إنجازاتها العالمية وموقفها الشجاع ضد اتهامات المنشطات، وهو ما جعلها رمزا للإرادة والتحدي وتم تكريمها دوليا.
دور الراحل أحمد الفولي


لا يمكن الحديث عن التايكوندو في مصر وإفريقيا دون ذكر اسم اللواء أحمد الفولي، الذي لعب دوراً بارزاً في تطوير اللعبة.. فقد شغل منصب نائب رئيس الاتحاد العالمي ورئيس الاتحاد الإفريقي، وقاد طفرة كبيرة في نشر التايكوندو بالقارة حتى أصبح لاعبو إفريقيا من أصحاب الميداليات الأولمبية.
كما كان له دور بارز في رعاية الأبطال المصريين مثل تامر صلاح الذي حقق أول ميدالية أولمبية لمصر في التايكوندو عام 2004. وقد منحت الحكومة الكورية نوط الرياضة للواء الفولي تقديرا لجهوده الكبيرة.
التايكوندو والرياضة المصرية
اليوم أصبح التايكوندو من الرياضات الأربع الأبرز في سجل مصر الأولمبي إلى جانب رفع الأثقال والمصارعة والملاكمة.
وتعد هذه اللعبة نموذجاً لرياضة فردية استطاعت رغم قلة الإمكانات أن تصنع أبطالاً عالميين. كما أن نجاحاتها لم تقتصر على الميداليات فقط، بل شملت أيضا بروز أسماء مصرية في المناصب الدولية التي ساهمت في تعزيز مكانة الرياضة المصرية عالميا.
مستقبل التايكوندو في مصر
المستقبل يبدو واعداً للتايكوندو المصري إذا استمرت الجهود المبذولة لتطوير اللعبة. فمع وجود أبطال عالميين في الجيل الحالي، واهتمام الاتحاد المصري بتوسيع قاعدة الممارسين في الأندية ومراكز الشباب، تتعزز فرص مصر في حصد المزيد من الميداليات في الدورات الأولمبية المقبلة.
كما أن الاهتمام بالعنصر النسائي ونجاح بطلات مثل هداية ملاك وكارولين ماهر يفتح الباب أمام أجيال جديدة من الفتيات للمنافسة بقوة على الساحة الدولية.
رياضة التايكوندو في مصر هي قصة نجاح ممتدة من جيل الرواد إلى جيل الأبطال الحاليين. فهي لعبة تجمع بين القوة والانضباط والإبداع، ونجحت مصر من خلالها في حصد ميداليات أولمبية واعتلاء منصات التتويج العالمية. ومع وجود أبطال موهوبين ودعم متزايد، فإن المستقبل يحمل بشائر جديدة لمصر في هذه الرياضة العريقة.