بينما يشهد العالم تحولات في موازين التجارة والاستثمار، تقودها سياسات حمائية متزايدة أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية، تتباين استجابات الأسواق بين صعود قوي في بعض الأسواق وارتفاع بوتيرة أقل في أسواق أخرى، مما يعكس تقلّب المزاج الاستثماري.
في هذا السياق، برزت أوروبا كقوة مستفيدة من استقرار نسبي وتدفقات استثمارية بديلة عن الأصول الأميركية التي تأثرت بتصعيد في السياسات الجمركية. وبينما نجحت بعض الأسواق في امتصاص الصدمات، وحققت مكاسب لافتة، تعثرت أخرى تحت وطأة الاضطرابات الجيوسياسية والضبابية الاقتصادية.
تفوق أوروبي
يشير تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية إلى أن:
أسعار الأسهم العالمية ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة في النصف الأول من العام 2025، حتى مع تداعيات الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مختلف أنحاء العالم.
ارتفع مؤشر MSCI للأسهم العالمية لجميع الدول، الذي يقيس أداء أكثر من 2500 سهم من أسواق الأسهم المتقدمة والناشئة، بنحو 10 بالمئة منذ بداية العام ليصل إلى أعلى مستوى قياسي في الرابع من يوليو.
برزت الأسهم الأوروبية كأبرز مؤشرات عام 2025، حيث تصدرت اليونان وبولندا وجمهورية التشيك وإسبانيا قائمة الأسواق العالمية من حيث المكاسب منذ بداية العام، وفقًا لبيانات جمعتها مورنينغستار.
في المقابل، ارتفعت الأسهم الأميركية بوتيرة أقل في ظل تراجع الثقة في الأصول الأميركية عقب سياسات ترامب المتقلبة.
وبحسب كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة بليكلي المالية، بيتر بوكفار، فإن "الحرب التجارية العالمية التي بدأتها الولايات المتحدة، كانت وستظل، المحفز لهذا الأداء المتفوق باستثناء الولايات المتحدة".
وفي الوقت نفسه، تبرز كوريا الجنوبية باعتبارها صاحبة أفضل أداء في آسيا وسط الأداء المتباين في المنطقة، في حين تقبع تايلاند وتركيا وإندونيسيا في قاع التصنيف العالمي.
نهضة أوروبا
سجلت أسواق الأسهم اليونانية أفضل أداء منذ بداية العام مع مكاسب بلغت نحو 60 بالمئة، ويقول مراقبو السوق إن هناك مجالا لمزيد من الارتفاع.
وقال مدير الاستثمار في أسهم الأسواق الناشئة العالمية في أبردين، غابرييل ساكس: "كانت اليونان بارزة في أوروبا الشرقية لبعض الوقت، بدعم من التعافي الاقتصادي وإصلاحات القطاع المصرفي والسياحة القوية". كما أن التزام الحكومة بتحقيق فوائض مالية والسداد المبكر لقروض الإنقاذ أسهم أيضاً في تعزيز ثقة المستثمرين.
ويتوقع مدير محفظة الأصول المتعددة لدى فيديليتي إنترناشونال، جورج إفستاثوبولوس، أن تواصل الأسهم اليونانية تحقيق أداء متفوق، مضيفاً أن الأسهم اليونانية تعتمد بشكل كبير على البنوك، التي كانت تتفوق على التوقعات وتتجه نحو الارتفاع.
أداء متفاوت
في حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets ، جو يرق، إن النصف الأول من العام شهد حالة من عدم الاستقرار المالي التي انعكست بوضوح على أسواق الأسهم العالمية:
- في بداية الربع الأول، حققت الأسواق أداءً قوياً، وخاصة خلال شهر فبراير الذي شهد أرقاماً قياسية.
- لكن مع فرض الرسوم الجمركية في الثاني من أبريل (تزامناً مع ما وصفه البعض بيوم التحرير في الولايات المتحدة)، اندلعت موجة بيع حادة، ليخسر مؤشر500 S&P حوالي 19 بالمئة.
- خلال 10 أيام فقط من القرار، بدأت الأسواق بالتعافي نسبياً، وعاد المؤشر إلى مستويات قياسية قبيل نهاية النصف الأول.
- هذه التقلبات كانت ناتجة عن الضبابية المحيطة بسياسات الإدارة الأميركية بعد عودة الرئيس ترامب، وخصوصاً الرسوم الجمركية.
- أما الملاذات الآمنة، فقد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً؛ فقد سجل الذهب مستويات قياسية جديدة، في حين تعرض النفط لبعض الاضطرابات السعرية.
- "نتائج الشركات الأميركية في الربع الأول كانت جيدة، مما رفع التوقعات بالنسبة للربع الثاني"
- استمر تأثير الرسوم الجمركية على توجهات المستثمرين، حيث ابتعد البعض عن الأسهم الأميركية، ولجأوا للأسواق الأوروبية واليابانية.
ويضيف: سجلت الأسهم الأوروبية أرقاماً قياسية، كما سجل مؤشر "نيكاي" الياباني مستويات مرتفعة (عند الـ 40 ألف نقطة) على خلفية تدفقات رؤوس الأموال المتجهة خارج الأصول المقومة بالدولار.. هذه التحولات تمثل ظهر نمط دوران استثماري مهم، يعكس رغبة المستثمرين في تنويع محافظهم بين مختلف الأصول والأسواق جيوسياسياً.
ويشير إلى أن النصف الثاني من 2025 سيكون أكثر حسماً، مع توقع تأثير أكبر للرسوم الجمركية الجديدة والسياسات التجارية للرئيس ترامب، محذراً من أن الأسواق العالمية ستظل متحفّظة حتى تترسخ الرؤية بشأن هذه المستجدات.
توقعات متشائمة
على الجانب الآخر، نقل موقع "بزنس إنسايدر" عن باري بانيستر، من ستيفل، توقعاته بانخفاض بنسبة 12 بالمئة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 في أواخر عام 2025 وسط قضايا الرسوم الجمركية.
ويشير بانيستر إلى تباطؤ الاستهلاك والتضخم كمخاوف اقتصادية رئيسية. فيما يُتوقع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع مخاطر الركود التضخمي في النصف الثاني من العام.
وقد ظل الكثيرون في وول ستريت متفائلين حتى مع تأجيج الرئيس دونالد ترامب لهيب الحرب التجارية مجدداً هذا الأسبوع، لكن باري بانيستر، كبير استراتيجيي الأسهم في ستيفل، لا يشعر بنفس التفاؤل.
في حين رفعت بنوك، بما في ذلك غولدمان ساكس وبنك أوف أميركا، أهدافها لنهاية العام لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 يوم الثلاثاء، يُعزز بانيستر نظرته المتشائمة ويتحدث عن تصحيح بنسبة 12 بالمئة في النصف الثاني من عام 2025. ويتوقع أن يُنهي مؤشر ستاندرد آند بورز 500 العام عند 5500.
امتصاص الصدمات
من جانبه، يشير خبير أسواق المال، محمد سعيد، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
- النصف الأول من عام 2025 كان مليئاً بالتقلبات الحادة، لكن الأسواق أثبتت قدرتها على امتصاص الصدمات، ونجحت في تسجيل مكاسب قوية في نهاية المطاف.
- "رغم الاضطرابات التي شهدناها، وعلى رأسها موجة البيع القوية في أبريل عقب إعلان الرئيس الأميركي ترامب عن حزمة جديدة من الرسوم الجمركية، إلا أن الأسواق سرعان ما استعادت عافيتها، مدفوعة بتراجع المخاوف وعودة الثقة تدريجياً".
- مؤشر MSCI All Country ارتفع بنحو 10 بالمئة منذ بداية العام وحتى أوائل يوليو، فيما تصدرت أوروبا الشرقية مشهد الصعود العالمي، حيث قفزت الأسهم اليونانية بنحو 60 بالمئة، تلتها الأسهم البولندية والتشيكية وألمانيا وإسبانيا.
- أما عن الأداء الأضعف، فيلفت سعيد إلى أن "الأسواق الآسيوية والشرق أوسطية كانت من بين الأضعف، مع هبوط سوق تايلاند بنسبة نحو 14 بالمئة تلتها السوق التركية ثم الإندونسية.
ويوضح الخبير المالي أن شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كانت المحرك الرئيسي للصعود في النصف الأول. بينما في المقابل، كانت بعض شركات الطاقة المتجددة والرعاية الصحية من بين الأسوأ أداءً.
تفاؤل مشوب بالحذر
وحول توقعاته للنصف الثاني من 2025، يرى سعيد أن الأسواق مرشحة للاستمرار في الاتجاه الصاعد ولكن بحذر، مضيفاً:
- "التقييمات المرتفعة للأسهم الأميركية قد تحد من فرص المكاسب السريعة، لكن بقاء الاقتصاد العالمي قوياً ومرونة سوق العمل في الولايات المتحدة سيدعمان استمرار تدفق السيولة للأسواق، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالتحول التكنولوجي والذكاء الاصطناعي".
- من المتوقع أن تواصل الأسهم الأوروبية أدائها القوي مدعومة بالإصلاحات الاقتصادية واستمرار تدفق الاستثمارات، بينما قد تواجه الأسواق الناشئة ضغوطًا من تباطؤ النمو العالمي وتذبذب أسعار العملات.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"