تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اليوم بتذكار سيامة قداسة البابا شنودة الثالث (الراهب أنطونيوس السرياني) كاهنًا في مثل هذا اليوم من عام ١٩٥٨، قبل أن يصبح البطريرك رقم ١١٧ للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وأحد أبرز بطاركة الكنيسة في العصر الحديث.
راهب محب للوحدة والبرية
وُلد نظير جيد (الاسم العلماني للبابا شنودة) عام ١٩٢٣، والتحق بدير السريان في يوليو ١٩٥٤، حيث ترهب باسم الراهب أنطونيوس السرياني عاش حياة الوحدة والنسك في مغارة بالبرية، بعيدًا عن ضوضاء العالم، و عُرف بين الرهبان بمحبته للهدوء وتأمله العميق، وكان يردد دومًا أنه لا يسعى وراء أي رتبة كهنوتية.
سيامة الكهنوت تحت الإلحاح
بعد أربع سنوات من الرهبنة، وتحت ضغوط من المسؤولين بالدير، سيم الراهب أنطونيوس كاهنًا على يد الأنبا ثاؤفيلس أسقف دير السريان المتنيح، ليقوم بخدمة الاعترافات للرهبان الجدد وطلاب الرهبنة وعلى الرغم من قبوله الكهنوت، ظل يعلّم الرهبان أن الرتب لا ينبغي أن تكون هدفًا، بل إن الغاية الحقيقية هي حياة التوبة والقداسة.
من التعليم إلى الأسقفية
لمع اسم الراهب القس أنطونيوس في مجال التعليم والوعظ، فكان له تأثير واسع بين الشباب والدارسين في الكلية الإكليريكية، حيث قام بتدريس مواد لاهوتية وروحية، وساهم في تشكيل فكر جيل كامل من الخدام والكهنة. وفي سبتمبر ١٩٦٢، قام البابا كيرلس السادس بسيامته أسقفًا عامًا للتعليم، ليصبح أول أسقف يحمل هذا اللقب في تاريخ الكنيسة القبطية.
اختيار ليكون بطريركًا
بعد رحيل البابا كيرلس السادس عام ١٩٧١، وقع الاختيار الإلهي على الأنبا شنودة أسقف التعليم ليصبح البطريرك رقم ١١٧ للكنيسة القبطية الأرثوذكسية جلس على الكرسي المرقسي في نوفمبر من نفس العام، ليبدأ مسيرة رعوية امتدت أكثر من أربعين عامًا، اتسمت بالنهضة الروحية والتعليمية، والاهتمام بالخدمة والإعلام، والتوسع في بناء الكنائس داخل مصر وخارجها.
قائد روحي ومعلم للأجيال
عرف البابا شنودة ببلاغته في الوعظ، وكتاباته الروحية التي تجاوزت الخمسين كتابًا، إلى جانب آلاف العظات الأسبوعية التي كانت منبرًا للتعليم والتوجيه كما تميز بحضوره القوي على المستوى المسكوني والعالمي، وكان له دور كبير في تعزيز العلاقات مع الكنائس الأخرى، فضلًا عن مواقفه الوطنية الثابتة التي جعلت منه رمزًا وطنيًا إلى جانب مكانته الروحية.
رحيل وذكرى باقية
بعد رحلة طويلة من الخدمة امتدت لأكثر من أربعة عقود، رقد قداسة البابا شنودة الثالث في ١٧ مارس ٢٠١٢، بعد أن قاد الكنيسة القبطية في فترة من أدق مراحل تاريخها. واليوم، إذ نحتفل بذكرى سيامته كاهنًا عام ١٩٥٨، نتذكر الراهب الذي لم يسعَ وراء الرتب، لكنه أُقيم من الله ليكون معلمًا ورئيسًا للكنيسة، وراعياً أمينًا لشعبها.