في خطوة مهمة تحمل دلالات سياسية وعسكرية ودبلوماسية، أقدم الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، على إحالة نحو 150 ضابطاً إلى التقاعد وإعادة تشكيل قيادات عسكرية رئيسية.
تأتي الخطوة في ظل استمرار الحرب الأهلية التي تعصف بالسودان منذ أكثر من عامين، وتزامنت مع تحركات دبلوماسية غير معلنة في أوروبا، خاصة في سويسرا، حيث التقى البرهان بالمبعوث الأمريكي الخاص لأفريقيا، ما يحمل رسائل واضحة بشأن موقف القيادة السودانية من الحرب ومسارات التفاوض المحتملة.
خطوة البرهان وتأثيرها العسكري والسياسي
تأتي إحالة الضباط إلى التقاعد في سياق استراتيجي يهدف إلى توحيد سلسلة القيادة والسيطرة داخل الجيش، شاملة حلفاء الجيش الأساسيين، لتقديم صورة متماسكة وقادرة على اتخاذ القرارات الصعبة، وتعكس رغبة في تقليل اعتراضات بعض الفصائل أو الحلفاء داخل الجيش، وتهيئة الأرضية لأي اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار أو تفاهمات مستقبلية.
زمن الناحية العسكرية، ركزت عملية الإحلال على قطاعات حيوية مثل اللوجستيات والاستخبارات، ما يشير إلى سعي لتعزيز قدرات الجيش العملياتية، خصوصاً في المناطق التي يسيطر عليها الجيش في وسط وشرق السودان.
التوقيت الدبلوماسي ومفاوضات سويسرا
وحسب تقرير لـ «إندبندنت عربية» تزامن إصدار القرارات مع لقاءات الفريق البرهان في سويسرا مع المبعوث الأمريكي الخاص لأفريقيا، ليس صدفة، فهذا التوقيت يعكس محاولة واضحة لإظهار الجيش السوداني ككيان منضبط وقادر على الالتزام بأي تفاهمات قد تنتج عن الحوار الدولي.
وفي ظل تعقيدات الصراع، يهدف البرهان إلى إقناع المجتمع الدولي بوجود قيادة عسكرية موحدة ومستعدة للعمل على وقف إطلاق النار، وبالتالي توفير مساحة لتقدم العملية السياسية، مع الاستفادة من الدعم الدولي، ربما بما يشمل الدعم العسكري من حلفاء مثل الجيش الباكستاني وفق معلومات مسربة لم يتم تأكيدها رسمياً.
توحيد القيادة العسكرية وتعزيز صورة الجيش
القرارات الأخيرة تشمل وضع الميليشيات والحركات المسلحة المختلفة تحت القيادة العسكرية الرسمية، ما يتماشى مع التوجهات الإقليمية والدولية الرامية إلى تقليص التعددية المسلحة داخل السودان، والتي أثرت سلباً على الاستقرار والأمن. هذه الخطوة ترسل رسالة واضحة إلى الشركاء الإقليميين والدوليين بأن الجيش السوداني قادر على احتكار القوة، ومنع تسرب الدعم إلى فصائل غير منضبطة قد تزيد من تعقيد الوضع الأمني، خاصة في مناطق حساسة مثل البحر الأحمر.
تطوير القدرات القتالية وسط الصراع المستمر
رغم جهود التطوير في الجيش وتحسين القدرات القتالية، لا يزال الوضع في دارفور بعيدا عن الحسم بسبب قوة وانتشار قوات الدعم السريع، التي تتمتع بنفوذ قوي في المنطقة. لذلك، فإن التغييرات في القيادة تعزز من كفاءة العمليات تدريجياً، لكنها ليست كافية لتغيير ميزان الحرب بشكل جذري. يبقى الصراع في دارفور يشكل تحدياً كبيراً للجيش وللجهود السياسية المبذولة لوقف العنف.
العلاقة بين الجيش والميليشيات المسلحة
إدماج الفصائل المسلحة والميليشيات المختلفة ضمن هيكلية القيادة الموحدة هو جزء من محاولة الجيش للسيطرة على مصادر القوة المسلحة المتعددة في السودان. هذا التوجه يتماشى مع الضغوط الدولية لتقليص دور الميليشيات خاصة قوات الدعم السريع التي تعرضت لانتقادات دولية واسعة، بالإضافة إلى إدانة مجلس الأمن لممارساتها، ما يجعل خطوة البرهان محاولة لفرض النظام على الفوضى المسلحة.
التأثير الداخلي على الأجنحة السياسية والعسكرية
داخل الجيش نفسه، يعزز القرار سلطة القيادة المركزية على حساب أجنحة النظام السابق، لا سيما الأجنحة الإسلامية المرتبطة بوزير الخارجية السابق علي كرتي. بينما قد يثير القرار ردود فعل معارضة من الضباط المبعدين أو القوى الإسلامية، فإن تحييد الاتجاهات الأكثر عنفاً يبدو جزءاً من خطة للسيطرة على الوضع الأمني والسياسي. هذا يعزز موقف الجيش ويجعله شريكاً أكثر وضوحاً مع المكونات المدنية في المفاوضات.
فرص التقارب بين الجيش والمكون المدني
مع تقليل نفوذ العسكريين المرتبطين بالجبهة القومية الإسلامية، تزداد فرص التقارب بين الجيش والمكون المدني المرتبط بثورة ديسمبر. وجود قيادة عسكرية موحدة يسهّل التعامل معها كطرف واحد في ملف وقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية، مما قد يعزز فرص استقرار المرحلة الانتقالية التي تتضمن الانتخابات والعدالة الانتقالية. هذه الخطوة تفتح المجال أمام حوار أكثر جدية بين المكونين العسكري والمدني.
التحديات الإقليمية والدولية للاستقرار في السودان
على المستوى الإقليمي والدولي، تتطلب الأوضاع ترتيب مصالح متشابكة لضمان بيئة مستقرة لأي اتفاقات قادمة بشأن وقف إطلاق النار. هذا يشمل الضغوط على مصادر الإمداد العسكري، والتنسيق مع الدول المجاورة والفاعلين الدوليين لضمان تطبيق أي خطوات سلمية. تظل الأوضاع في السودان رهينة للتوازنات الإقليمية، خاصة مع وجود مصالح كبرى في البحر الأحمر والمنطقة.
مستقبل الفصائل المسلحة والتحالفات العسكرية
إعادة الهيكلة العسكرية تنعكس بشكل مباشر على فصائل مثل "تأسيس" التابعة لقوات الدعم السريع، والتي اعتمدت على شراكة واسعة مع المدنيين لتشكيل نفوذها، خاصة في غرب السودان. إذا نجح الجيش في فرض مركزية القيادة، سينخفض تأثير هذه التشكيلات، ما قد يضعف من قدرة الدعم السريع على تفكيك الجيش المركزي، ويزيد من عزلة قياداته على الساحة الدولية، خاصة بعد المواقف السلبية من مجلس الأمن تجاه هذه القوات.
ردود الفعل الشعبية والسياسية هذه الخطوة العسكرية تلقت ارتياحاً نسبياً بين الأوساط السياسية والشعبية، حيث ينظر كثيرون إلى احتكار الجيش للقوة كضرورة لتقليل الفوضى والعنف الذي مارسته الفصائل المسلحة ضد المدنيين قبل اندلاع الحرب.