تصدرت سيدة أمريكا الأولى السابقة، ميلانيا ترامب، واجهة الأحداث السياسية والإعلامية مؤخرًا، ليس بسبب نشاط دبلوماسي أو إنساني، بل بسبب توقيعها على رسالة موجهة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هذه الرسالة، التي كان هدفها الظاهري دعوة بوتين إلى وقف العنف في أوكرانيا، أطلقت العنان لموجة عاتية من نظريات المؤامرة على منصات التواصل الاجتماعي، متجاوزة محتواها لتُركز على تفصيلة واحدة دقيقة: شكل التوقيع نفسه، وفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
وبدأت القصة خلال قمة جرت في ألاسكا، حيث قام الرئيس دونالد ترامب بتسليم الرسالة شخصيًا إلى بوتين. الرسالة، التي شاركتها المدعي العام بام بوندي على وسائل التواصل الاجتماعي، حملت كلمات مؤثرة من ميلانيا، ناشدت فيها بوتين أن "يتذكر براءة الأطفال المحاصرين في خضم القتال" وأن "يُعيد إليهم ضحكاتهم المبتهجة". لكن ما لفت انتباه الجمهور لم يكن هذه الكلمات، بل التشابه المثير للدهشة بين توقيع ميلانيا وتوقيع زوجها.
أوجه التشابه تثير الشكوك
سرعان ما انتشرت صور لمقارنات جنبًا إلى جنب بين التوقيعين، مؤكدة أن التشابه بينهما "متطابق" أو "غريب الأطوار". وتعالت الأصوات على منصات مثل X (تويتر سابقًا) وفيسبوك، متسائلة: "لماذا لديها نفس التوقيع الحاد مثل توقيع ترامب؟" و"هل استخدمت قلمه المفضل من نوع شاربي؟". ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، زاعمين أن ميلانيا لم تكتب الرسالة وأن ترامب هو من وقّع عليها بنفسه، مؤكدين أن التوقيع يبدو مزورًا.
هذه التكهنات، وإن كانت تفتقر إلى أي دليل مادي، تعكس حالة انعدام الثقة العميقة التي تسود الأجواء السياسية، حيث يصبح أي تفصيل بسيط مادة خصبة للتكهنات.

ومن أجل فهم هذا الجدل بشكل أعمق، لجأت الصحافة إلى بارت باجيت، وهو خبير في تحليل الخطوط وكتابة اليد. أكد باجيت أن توقيع ميلانيا قد "تحور" بشكل ملحوظ ليصبح أكثر تشابهًا مع توقيع ترامب خلال السنوات العشر الأخيرة من زواجهما.
وأوضح أن هذا التحول ليس مجرد مصادفة، بل هو جزء من "العلامة التجارية" للزوجين، حيث أصبح توقيعها أشبه بـ"شعار" يعكس القوة والتصميم.
كما لفت باجيت إلى أن التوقيع على الرسالة كان "عدوانيًا" و"حازمًا"، مما يتناسب مع الأجواء التي أحاطت بالقمة، والتي تضمنت استعراضًا عسكريًا لطائرة قاذفة من طراز B-2. وعلى عكس التوقيعات السابقة لميلانيا، التي كانت أكثر انسيابية، بدا هذا التوقيع وكأنه رسالة قوة، مما يتماشى مع "البراند" الذي أرادت عائلة ترامب تقديمه للعالم.
دحض نظريات المؤامرة
على الرغم من كل هذه التحليلات والتكهنات، قام الخبراء بتفنيد المزاعم الأكثر تطرفًا. فقد نفى باجيت تمامًا وجود أي "نية خبيثة" أو تزوير وراء التوقيع، مؤكدًا أن نظريات المؤامرة التي تروج لهذه الادعاءات هي مجرد "تمسك بقشة". كما تم دحض فرضية استخدام جهاز التوقيع التلقائي Autopen، وهي إحدى التهم التي وجهها ترامب نفسه لخصومه السياسيين. أشار الخبراء إلى أن التوقيع يحمل خصائص خط يد ميلانيا المعروف، وأن التشابه مع توقيع ترامب يعود إلى التطور التدريجي في أسلوب كتابتها لا إلى استخدام جهاز ميكانيكي.
وبسرعة مذهلة تحولت تفصيلة صغيرة إلى شكوك ومن ثم إلى قضية نقاش وجدف عام، تعكس حالة الاستقطاب السياسي وعدم الثقة على الساحة السياسية في أمريكا في الوقت الحالي. ففي غياب المعلومات الرسمية، يملأ الجمهور الفراغ بالتكهنات، ويصبح كل توقيع، وكل كلمة، وكل إيماءة، مادة خصبة لنظريات المؤامرة التي لا تنتهي.