في زمنٍ تتسارع فيه الخطى خلف المكاسب المادية والشهرة الزائلة، يطلّ علينا مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية برسالة مختلفة تُذكّر الناس بأن أعظم الاستثمارات ليست في البنوك أو الأسواق، وإنما في رصيد الأعمال الصالحة الذي يزدهر أثره في الدنيا قبل أن يثمر جنةً ورضوانًا في الآخرة.
المركز أشار في بيانه الأخير إلى أن للعمل الصالح ثمرةً عاجلة وأخرى آجلة، مؤكدًا: "فلا تستصغرنّ عملًا، ولا تستعجلنّ ثمرته، ومن يفعل الخير لا يعدم جزاءه".
وهي كلمات تلخّص فلسفة عميقة: أن الخير لا يضيع أبدًا، حتى وإن لم يلحظ صاحبه نتائجه في اللحظة نفسها.
وعد ربانيّ بالحياة الطيبة
استشهد المركز بالآية الكريمة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
هذه الآية ترسم معادلة واضحة: الإيمان + العمل الصالح = حياة طيبة في الدنيا وجزاء عظيم في الآخرة. والمثير أن الحياة الطيبة ليست بالضرورة رفاهية مادية، بل قد تكون راحة بال، سكينة قلب، صحة مباركة، أو باب رزق يُفتح من حيث لا يحتسب الإنسان.
أعمال صغيرة.. نتائج عظيمة
من زاوية مغايرة، يطرح بيان الأزهر تساؤلًا عميقًا: لماذا نستصغر الأعمال البسيطة بينما قد تكون هي مفاتيح النجاة؟
النبي ﷺ حدّثنا عن امرأة بَغِيٍّ غفر الله لها لأنها سقت كلبًا، ورجلٍ أزاح شوكًا عن الطريق فدخل الجنة. رسائل مباشرة تؤكد أن معيار القبول الإلهي ليس حجم العمل في أعين البشر، بل صدق النية ورحابة الرحمة.
البُعد الاجتماعي للأعمال الصالحة
بعيدًا عن الصورة التقليدية للعمل الصالح المرتبط فقط بالعبادات، يؤكد الأزهر أن كل فعل يسهم في خدمة المجتمع، وإدخال السرور على الناس، والتيسير على المحتاجين، هو عمل صالح يُكتب في صحيفة صاحبه. من مساعدة مسنٍّ على عبور الطريق، إلى دعم محتاج، أو حتى نشر كلمة طيبة تُخفّف ألمًا نفسيًا، كلها أعمال تبني شبكة من الرحمة تنعكس آثارها على المجتمع بأسره.
دعوة للتأمل والمراجعة
في عالم مليء بالاختبارات اليومية، قد يغفل الإنسان عن أن ابتسامة صادقة، أو موقف شجاعة في نصرة مظلوم، أو ستر عيب إنسان، كلها أبواب رحمة قد تسبق ركعاتٍ طويلة أو صدقاتٍ ضخمة. وهنا يبرز البُعد الإنساني لرسالة الأزهر: لا تستهن بخيرٍ مهما صغر، فالله أعلم بأي عمل يُدخل عبده الجنة أو يدفع عنه سوء القدر.
العمل الصالح ليس حكرًا على المناسبات الدينية أو المواقف الكبرى، بل هو نمط حياة، ورسالة يومية تُترجم في تفاصيل صغيرة قد لا يلحظها أحد، لكنها محفوظة في ميزان العدل الإلهي.
ويبقى السؤال المفتوح الذي يطرحه بيان الأزهر على القارئ: ما هو العمل الصالح الذي يمكنك أن تبدأ به اليوم لتزرع أثره في حياتك وغدك؟