في الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات داخل إسرائيل لوقف الحرب على غزة واستعادة المختطفين، تتسارع وتيرة الاحتجاجات في الداخل الإسرائيلي، وسط انقسام سياسي حاد وتشويش في الرؤية الرسمية والشعبية حول المسار الذي ينبغي اتباعه. فبينما ينزل آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع مطالبين باتفاق يعيد الرهائن ويضع حدًا للنزاع، يصر اليمين الحاكم على استمرار العمليات العسكرية كخيار وحيد. وفي خضم هذا المشهد المعقّد، تتباين مواقف الحكومة والمعارضة والنخب، ويظل السؤال معلقًا: هل يمكن لهذا الحراك الداخلي أن يُحدث اختراقًا حقيقيًا في جدار السياسة الإسرائيلية؟
في تصريح خاص لموقع "الفجر"، يكشف د. خليل أبو كرش، الباحث في المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية والمختص في الشأن الإسرائيلي، أبعاد هذا الحراك، ويحلل فرص تأثيره على القرار السياسي والعسكري في تل أبيب، ويرسم صورة دقيقة لتوازن القوى داخل إسرائيل اليوم.
اتساع رقعة الاحتجاجات.. هل يعكس قوة أم ضعفًا؟
صرّح د. خليل أبو كرش، بأن القضية ليست فقط اتساع رقعة الإضراب لتشمل الجامعات ومراكز الأبحاث، بل في غياب مشاركة النقابة الأكبر والأقدر على شل الاقتصاد الإسرائيلي، مما يعكس ضعفًا كبيرًا لهذا الحراك. وبيّن أن التقديرات تشير إلى مشاركة 200–300 ألف شخص في المسيرة المركزية، رغم الدعوات لمليونية. ولفت أبو كرش إلى أن هذا الحراك الداخلي لا يزال ضعيفًا، بفعل غياب المعارضة الموحّدة، في ظل انقسام واضح بين الأضداد، مما أدى إلى حملة شعبية ورسمية مشددة ضد المتظاهرين، تروج لحصرية القوة والحرب كوسيلة لإنهاء الأزمة، وليس الاحتجاج السلمي.
التفاوض في ظل الحراك: تأثير محدود حاليًا
قال أبو كرش إن التأثير الفعلي للتظاهرات على مسارات الحرب أو المفاوضات ما يزال محدودًا، لأن الحراك بلا تنظيم ووزن سياسي موحد. وأضاف أن لكل طرف شروطه: روسيا لها شروط، وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي لهما شروط، وكذلك الولايات المتحدة لمصالحها، مثل اتفاقية المعادن. ورأى أن التوقيت الحالي لا يسمح بمبادرات سلام فعالة، وأن أي تقدم حقيقي يتطلب حلولًا جذرية للمشكلات التاريخية.
معادلة سياسية معقدة: من يتحمّل المسؤولية؟
أشار أبو كرش إلى أن المشهد الداخلي في إسرائيل يعاني من تشويش سياسي، لأن الجميع يتجنب تحمل مسؤولية ما جرى في 7 أكتوبر، ومسؤولية استمرار احتجاز المختطفين في غزة. وتابع أن المعارضة تطالب بلجان تحقيق رسمية، بينما تدعو الحكومة إلى لجان "فحص" غير ملزمة، ما يعكس غياب التوافق حول أدوات المساءلة والشفافية المطلوبة.
مقارنة مع فترات سابقة: لماذا لم تتكرّر الزوبعة؟
وأكد الباحث أن المظاهرات الحالية أقصَر تأثيرًا من مظاهرات ما قبل الحرب، والتي شهدت زخمًا داخليًا ودوليًا جذب الدعم الأميركي، خاصة في ظل ما سُمّي بـ "الانقلاب الديمقراطي". لكن الآن، ومع انشغال العالم بصراع جديد وتغير التوازنات، تبدلت الصورة بالكامل ولم تعد الاحتجاجات تلقى تضامنًا دوليًا كما في السابق.
الانتخابات والمحكومة بخيارات معقدة
وعن أفق الانتخابات، نوّه أبو كرش إلى أن استطلاعات الرأي الحالية لا تدعم استمرار الائتلاف الحاكم دون تغيّر، رغم أنه أول حكومة يمينية خالصة في تاريخ إسرائيل. ورأى أن القوى الأساسية داخل الحكومة تتجنب الانتخابات المبكرة، لكن الخلافات داخل التحالف، مثل ملف التجنيد ومصير غزة، تهدّد الاستقرار الحالي. وأوضح أن المعارضة أيضًا تشهد تراجعًا في قوة بعض أحزابها، مثل حزب بيني غانتس، ولن يكون التصويت مستندًا بالضرورة إلى قضية الحرب فقط، بل إلى قضايا أخرى محلية وسياسية.
حكومة الأقلية الحاكمة تبدأ نهايتها؟
أضاف أبو كرش أن هذه الحكومة لا تزال دولة قوية توفر الاستقرار حتى نهاية ولايتها، وأن لا مؤشرات تصر على الذهاب للانتخابات المبكرة، لأن أي انهيار سيحمّل زعماءها مسؤولية التراجع أمام جمهورهم اليميني المتطرف. إلا أنه خلص إلى أن الصراع الداخلي الإسرائيلي "مرير وعميق"، ولن تتغير الأمور حتى يتم التوصل إلى حلول سياسية واقتصادية واضحة وجذرية للأزمات الممتدة.