طريق أكتوبر – الواحات، سيارة بها ثلاث فتيات في ساعة مبكرة من النهار، وثلاث مركبات تلاحقهن بجنون، حتى ينتهي المشهد باحتمال أسوأ اصطدام عنيف، النجاة بمعجزة، والمطاردة تنتهي بلا تدخل أمني فوري.
مشهد متكامل يُعرّي هشاشة منظومة الحماية، ويطرح سؤالًا مؤلمًا: كيف يمكن لحادث مطاردة أن يكتمل أمام وينتهي باصطدام عنيف دون أن ترصده عين تكنولوجية واحدة؟
ليست الجريمة في المطاردة فقط، بل في الغياب الصارخ لأبسط أدوات التكنولوجيا القادرة على رصد الحادثة ومنعها، ففي وقت يُروج فيه للتحول الرقمي، والتكنولوجيا الذكية غابت هذه التكنولوجيا تمامًا عن المشهد.
فالطريق الممتد بين أكتوبر والواحات، رغم أهميته الحيوية، لا يضم شبكة كاميرات قادرة على تحليل السلوك أو التعرف على نمط قيادة عدائي يوحي بوقوع تهديد بل إن أقصى ما توفر للفتيات كان محاولة الهروب، حتى انتهى بهن الأمر إلى الاصطدام، وتوثيق الحادث بواسطة طرف ثالث يمر من الطريق بالصدفة.
المأساة لا تكمن فقط فيما حدث، بل في ما لم يحدث لم تُرسل إشارة، لم يُرصد خطر، لم يتلقَّ أحد تنبيهًا من تطبيق طوارئ على هاتف إحداهن، لأننا ببساطة لا نملك هذا التطبيق أصلًا، فبينما تصدر الدولة تصريحاتها المتكررة عن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، يظل الواقع أكثر بطئًا من أن ينقذ حياة.
نحن بحاجة إلى تطبيق وطني مخصص لحالات الطوارئ الفردية، لا يعتمد على تغطية الإنترنت، بل على شبكة اتصال طارئة مستقلة، يمكن عبرها للفرد أن يرسل نداء استغاثة بكبسة زر واحدة، مرتبطًا بموقعه، وكاميرا هاتفه، ومركز النجدة الأقرب، كان يمكن لهذا التطبيق لو كان موجودًا أن يُسجل المطاردة لحظة بلحظة، ويُرعب الجاني بمجرد أن يعلم أن ما يفعله يُبث حيًا للجهات المختصة.
لنجد أنفسنا أم حقيقة واضحة ألا وهي أن الطرق الذكية لم تعد رفاهية، بل ضرورة أمنية فالعالم يتجه الآن إلى بناء طرق تقرأ حركة السيارات وتُحلل أنماط القيادة وتستشعر الخطر في سلوك السائقين فهل من المنطقي أن تظل طرقنا بلا منظومة مراقبة ذكية؟
أخيرًا.. حادثة فتيات الواحات يجب أن تكون نقطة تحوّل حقيقية، لا مجرد قصة تُروى ثم تُنسى فنحن بحاجة إلى بنية تحتية رقمية على الطرق، تتكامل فيها الكاميرات مع السيارات ومع تطبيقات الطوارئ، وتكون قادرة على اتخاذ القرار دون تدخل بشري لأن الحوادث التي تقع اليوم ليست قدرًا، بل نتيجة مباشرة لقرارات لم تُتخذ في وقتها.