فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ». سفر التكوين 15: 18".
في سفر التكوين، الإصحاح الخامس عشر، ورد الوعد الإبراهيمي الذي يعتبر حجر الأساس لرؤية تيارات دينية وسياسية في إسرائيل: "أعطيك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات"، هذا الوعد ظل لقرون جزءاً من التراث الديني، ولكنه تحول في العصر الحديث إلى مشروع سياسي استيطاني يُعرف باسم "أرض إسرائيل الكاملة"، وهي رؤية تمتد إلى ما هو أبعد من فلسطين التاريخية لتشمل أجزاء من مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق.
وفي حوار خاص مع “مصر تايمز”، أكد السفير عاطف سالم، سفير مصر السابق لدى تل أبيب، أن قراءة سياسات بنيامين نتنياهو لا تكتمل دون فهم هذه الخلفية العقائدية، وقال السفير: "نتنياهو لا يتعامل مع هذه النصوص على أنها مجرد تاريخ أو تراث ديني، بل مشروع سياسي قابل للتنفيذ، فكرة أن حدود الدولة اليهودية تمتد من الفرات إلى العريش ليست عنده شعاراً، بل هدف إستراتيجي".
وأضاف سالم، خطورة الأمر تكمن في أن هذا الفكر يتغذى على دعم تيارات دينية وسياسية في الغرب، خصوصاً المسيحية الصهيونية، مما يمنحه زخماً دولياً يصعّب مواجهته".
أرض إسرائيل الكاملة
و تابع ، يُفضّل بعض الباحثين والمفكرين الإسرائيليين استخدام مصطلح "أرض إسرائيل الكاملة" بدلاً من "أرض إسرائيل الكبرى"، باعتبار أن التعبير الأول أقرب إلى الترجمة الحرفية للمصطلح العبري "إيرتس يسرائيل هاشليماه"، أي "الأرض السليمة" أو "المكتملة".
وتعود جذور هذه الفكرة إلى التفسيرات الدينية للتوراة، حيث ورد في "سفر التكوين" أن الله عقد عهداً مع إبراهيم قائلاً: “أعطيك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات”، وبناء على هذه القراءة التوراتية، تُصوَّر "أرض إسرائيل الكاملة" على أنها تمتد من نهر الفرات شرقاً إلى وادي العريش في مصر غرباً، وتشمل بذلك أجزاء واسعة من دول عربية كالأردن ومعظم الخليج، وأجزاء من العراق وسوريا وجنوب تركيا.
هذه الرؤية كانت موضع خلاف داخل الحركة الصهيونية منذ بداياتها، ففي حين ركّزت "الصهيونية التقليدية" على إقامة دولة في أرض فلسطين التاريخية، تبنت "الصهيونية التصحيحية" بقيادة زئيف جابوتنسكي مفهوماً توسعياً يشمل شرقي الأردن وأراضٍ إضافية، وقد دفع الخلاف حول هذه الرؤية جابوتنسكي إلى الاستقالة من المنظمة الصهيونية العالمية عام 1935 بعد رفض برنامجِه من قبل هيئتها التنفيذية.
تأثر بنيامين نتنياهو بهذه الأفكار مبكراً، سواء من والده بن تسيون نتنياهو المعروف بمواقفه المعادية للعرب، أو من الشخصيات التي يعتبرها "ملهميه" في الفكر الصهيوني القومي، فقد كان والده يعتقد أن العرب لن يقبلوا أبداً بوجود دولة يهودية في المنطقة، وأن على إسرائيل أن تزرع اليأس في نفوسهم وتدمّر قدراتهم، استناداً إلى ما يعتبره وصايا توراتية.
وينعكس هذا الفكر أيضاً على مواقف اليمين الإسرائيلي تجاه القدس، حيث يروّجون لمفهوم "جبل الهيكل" ويدفعون نحو تقسيم زماني ومكاني للحرم القدسي، مع فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المدينة، وهو ما عززته تشريعات الكنيست عام 1980 واعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة موحّدة لإسرائيل عام 2017. كما سمحت المحكمة العليا الإسرائيلية في أعوام 1976 و2014 لليهود بأداء الصلاة في الحرم.
أبرز رموز التطرف اليهودي
أبرز رموز التطرف اليهودي، مثل الحاخام مئير كهانا مؤسس حركة "كاخ" ومؤلف كتاب "يجب أن يرحلوا" (1981)، تبنوا خطاباً توسعياً يدمج بين الأبعاد الدينية والقومية، داعين إلى تطهير الأرض من العرب، بل إن نتنياهو نفسه قال في تصريحات سابقة إن إقامة دولة يهودية ممكن أن تتم حتى في السعودية، في إشارة إلى مرونة الموقع إذا توفرت "الأرض الموعودة" بالمعنى التوراتي.
هذا التداخل بين الدين والسياسة أنتج ما يمكن تسميته بـ"الصهيونية المسْيانية" أو التوراتية، التي تتميز بالتشدد ورفض التوازنات السياسية الإقليمية والدولية، وقد انعكس ذلك على برنامج حزب الليكود منذ تأسيسه، إذ اعتبر أن استيعاب الفلسطينيين داخل "أرض إسرائيل" يُفقد الدولة هويتها اليهودية، ودعا إلى ضم الضفة الغربية وقطاع غزة.
المعنى التوراتي و الجغرافي
ورغم أن بعض وسائل الإعلام فسّرت حديث نتنياهو الأخير على أنه يشمل مصر والأردن، إلا أن تصريحاته في الحقيقة كانت تعبيراً عن تبنيه لفكرة "أرض إسرائيل الكاملة" بالمعنى التوراتي، لا بالمعنى الجغرافي المباشر.
ويُذكر أن فكرة التقسيم التي طرحتها "لجنة بيل" عام 1937 قوبلت بمعارضة واسعة في الأوساط الصهيونية؛ فقد قبلها دافيد بن غوريون مؤقتاً كمرحلة تكتيكية إلى حين السيطرة على بقية الأرض، بينما رفضها آخرون بشكل قاطع. وحتى قرار تقسيم فلسطين عام 1947 (القرار 181) اعتبره كثيرون مؤقتاً في إطار استراتيجية التوسع.
خريطة سيجال
بعد عملية "طوفان الأقصى" ظهرت خريطة "سيجال" التي رفعت شعار "كلها لنا من الفرات إلى العريش"، كدعوة للعودة إلى المستوطنات في غزة، وبرزت شخصيات استيطانية مثل دانييلا فايس، التي قادت حملات لتوسيع البؤر الاستيطانية في الضفة وغزة، بالتوازي مع مؤتمرات مثل "مؤتمر نصرة القدس" (يناير 2024) و"ريفيرا غزة: من رؤية إلى واقع" (يوليو 2022)، وكلها تصب في مشروع استكمال "أرض إسرائيل الكاملة".
فلسفة نتنياهو
كما أشار السفير عاطف سالم لا يخفي نتنياهو هذا التوجه، وقد تلقى منذ التسعينيات وعوداً من قيادات دينية يهودية باعتباره "الزعيم المُلهم" القادر على إعادة “أرض الميعاد”، وفي خطابه أمام "إيباك" عام 2017 قال: "ما لا تفرضه على الأرض، لا يُحسب لك في التاريخ"، في تلخيص واضح لفلسفته السياسية.
و أضاف أن تصريحات نتنياهو لم تكن مفاجئة ، لكنها تتماهى مع فكر نتنياهو، فهو توراتي بطبيعته، ودائما يوجه رسائل توراتية ، والأحزاب التي يتحالف معها توراتية أيضا
السيطرة على الحرم القدسي
خطورة المرحلة المقبلة تكمن في تزايد التحركات الإسرائيلية نحو فرض السيطرة على الحرم القدسي، في ظل انفتاح الإجراءات الأمنية على دخول وخروج المستوطنين، وتصاعد النشاط الاستيطاني في الضفة، وارتفاع الخطاب التوراتي الممزوج بالصهيونية السياسية، ما يجعل فكرة "أرض إسرائيل الكاملة" أقرب إلى مشروع عملي يجري تنفيذه تدريجياً، لا مجرد حلم ديني أو تاريخي.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.