تشهد قضية التخزين الجوفي للغاز في الدول العربية تزايدًا في الأهمية مع تصاعد التحديات المرتبطة بأمن الطاقة واستدامتها في المنطقة، رغم ما تتمتع به من احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي تمثّل نحو 27% من الإجمالي العالمي، وإسهامها بما يقارب 15% من الإنتاج عالميًا.
وعلى الرغم من أن استهلاك المنطقة لا يتجاوز 10.8% من الطلب العالمي، فإن الطبيعة الموسمية للطلب تفرض أحيانًا ضغوطًا على الإمدادات، ما يدفع بعض الدول إلى استيراد الغاز في أوقات الذروة.
وفي حين تؤدي المنطقة دورًا محوريًا في تجارة الغاز العالمية، فإن بنية التخزين الجوفي في الدول العربية ما زالت محدودة للغاية، إذ تعتمد غالبية البلدان على التخزين السطحي عبر صهاريج الغاز الطبيعي المسال أو خطوط الأنابيب، وهي حلول قصيرة الأجل تفتقر إلى المرونة المطلوبة لتلبية الطلب المتقلب على مدار العام.
ووفقًا لدراسة صادرة عن منظمة "أوابك"، أعدّها خبير الغاز المهندس وائل حامد عبدالمعطي، وحصلت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، لا تضم المنطقة سوى 3 منشآت للتخزين الجوفي في الدول العربية، تقع جميعها في الإمارات والسعودية، ما يعكس فجوة كبيرة بين الإمكانات المتاحة وحجم الاستثمار الفعلي في هذا القطاع.
وتُظهر تجارب مثل الكويت -التي تستورد الغاز الطبيعي المسال عبر ميناء الزور بسعة إجمالية 1.8 مليون متر مكعب تكفي 12 يومًا- أن الحلول السطحية، رغم فعاليتها المؤقتة، لا تكفي لتعزيز أمن الإمدادات بشكل مستدام.
والأمر ذاته ينطبق على قطر، ثاني أكبر مصدر للغاز المسال عالميًا، التي تعتمد على صهاريج التخزين في ميناء رأس لفان، وهو ما يعزز الحاجة إلى إستراتيجيات أكثر تطورًا في التخزين الجوفي في الدول العربية.
كما أظهرت دراسة أوابك، أنه يمكن مستقبلًا استغلال الكهوف الملحية لتخزين الهيدروجين، أسوة بالتجارب الدولية.
التخزين الجوفي للغاز في الإمارات
أطلقت الإمارات أولى مشروعات التخزين الجوفي للغاز في الدول العربية عام 2008 عبر "هيئة دبي للتجهيزات"، التي حولت حقل "مرغم" المستنزف إلى منشأة تخزين موسمية بسعة 117 مليار قدم مكعبة ومعدل سحب يصل إلى 141 مليون قدم مكعب يوميًا.
ويمثّل المشروع ركيزة إستراتيجية لدعم منظومة الطاقة في دبي، مع خطط توسعة تشمل إضافة 10 ضواغط جديدة وعقود حفر لآبار حقن جديدة بحلول 2025.
كما تحتضن إمارة الشارقة مشروع "مويعيد" للتخزين الجوفي في منطقة الصجعة، الذي مرَّ بـ3 مراحل: تجريبية (2017-2020)، وتشغيلية منذ 2021، وخطط مستقبلية لزيادة السعة 4 أضعاف.
ويهدف المشروع إلى تلبية احتياجات الإمارات كافة، وليس الشارقة وحدها، مما يجعله نموذجًا يُحتذى به في خريطة التخزين الجوفي للغاز في الدول العربية.

التخزين الجوفي للغاز في السعودية
في السعودية، دشّنت أرامكو مشروع "الحوية-عنيزة" عام 2023، ضمن برنامج "خزن الغاز"، لاستغلال الحقول المستنفدة في التخزين الجوفي.
وبلغ معدل الحقن الأقصى 1.5 مليار قدم مكعبة يوميًا، ومعدل السحب مليارَي قدم مكعبة، ما يوفر قدرة عالية على دعم شبكة الغاز الرئيسة في أوقات الطلب المرتفع.
ويُعدّ هذا المشروع واحدًا من أهم الأمثلة الحديثة التي تعزز حضور التخزين الجوفي للغاز في الدول العربية على الساحة العالمية.

دوافع الاستثمار في التخزين الجوفي للغاز
تتعدد مبررات الاستثمار في التخزين الجوفي للغاز في الدول العربية، وأبرزها:
- تعزيز أمن الإمدادات: مواجهة ذروة الطلب في الصيف، وتجنُّب انقطاعات الكهرباء التي قد تضرب القطاعين الصناعي والسكني.
- الاستفادة من الفروقات السعرية: شراء الغاز في مواسم انخفاض الأسعار وتخزينه لبيعه أو استهلاكه لاحقًا عند ارتفاعها.
- مرونة مزيج الطاقة: دعم خطط التوسع في استعمال الغاز بوصفه مصدرًا أساسيًا للكهرباء، وتوفير احتياطي عند تذبذب إنتاج الطاقة المتجددة.
- التعاون الإقليمي: مشروعات مثل خط الغاز العربي بين مصر والأردن وسوريا ولبنان يمكن أن تستفيد من التخزين لتعويض النقص الطارئ.
- التحوط ضد الأزمات العالمية: الأزمات الأخيرة، من جائحة كورونا إلى الحرب الروسية الأوكرانية، أبرزت ضرورة وجود احتياطيات محلية.
- دعم خطط الهيدروجين: يمكن مستقبلًا استغلال الكهوف الملحية لتخزين الهيدروجين أو مزجه مع الغاز الطبيعي، أسوة بالتجارب الدولية.

مقومات نجاح التخزين الجوفي للغاز في الدول العربية
تتمتع المنطقة بمقومات تُؤهلها للتوسع بالتخزين الجوفي للغاز في الدول العربية، أبرزها:
- وفرة المكامن المستنفدة والتكوينات الملحية القابلة للتأهيل.
- شبكات نقل وتوزيع متطورة يمكن دمج التخزين ضمنها لتقليل التكلفة الاستثمارية.
- خبرة مؤسسية وفنية واسعة لدى شركات وطنية، مثل أرامكو السعودية، وأدنوك الإماراتية، وقطر للطاقة، ونفط الكويت، وسوناطراك الجزائرية.

الخلاصة..
مع توجُّه الدول العربية لوضع إستراتيجيات واضحة لأمن الطاقة والتحول نحو مزيج أكثر استدامة، يبرز التخزين الجوفي بوصفه ركيزة أساسية لضمان استقرار الإمدادات ومرونتها.
وإذا ما توسَّع نطاق الاستثمار الإقليمي بالتخزين الجوفي للغاز في الدول العربية، يمكن للمنطقة أن تتحول من مستهلِك محدود للتقنيات إلى لاعب عالمي في خدمات التخزين، بما يوازي مكانتها في إنتاج الغاز وتصديره.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر: