أخبار عاجلة
الخميس المقبل.. طرح فيلم شقو على منصة watch it -

تحول الطاقة العادل في أفريقيا.. ضرورة بيئية وعدالة اجتماعية (مقال)

تحول الطاقة العادل في أفريقيا.. ضرورة بيئية وعدالة اجتماعية (مقال)
تحول الطاقة العادل في أفريقيا.. ضرورة بيئية وعدالة اجتماعية (مقال)

في مواجهة أزمة المناخ العالمية، لم يعد تحول الطاقة باتجاه المصادر النظيفة خيارًا، بل ضرورة وجودية.

غير أن هذا التحول، إذا لم يكن عادلًا، قد يُفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، ويخلق ضحايا جددًا في الجنوب العالمي، وعلى رأسه القارة الأفريقية.

من هنا يبرز مفهوم "تحول الطاقة العادل" ركيزةً لتحقيق العدالة المناخية، بحيث يُراعى البعد الاجتماعي، وتُضمَن حماية الفئات الهشة، وتُبنى حلول مستدامة تشمل الجميع.

في هذا المقال سنوضح ما هو المقصود بتحول الطاقة العادل، وأهميته، وطرق تفعيله، والنظم الأساسية التي يعتمد عليها.

ما المقصود بتحول الطاقة العادل؟

تحول الطاقة العادل يعني التحول من نظم الطاقة التقليدية، القائمة أساسًا على الوقود الأحفوري، إلى نُظم تعتمد على الطاقات المتجددة والنظيفة، لكن ضمن مقاربة تضع العدالة الاجتماعية في صميم السياسات.

أي أن هذا الانتقال لا يجب أن يُلحق الضرر بالعاملين في قطاع الطاقة التقليدي، ولا بالمجتمعات الفقيرة أو المهمشة، بل يجب أن يوفر فرص عمل بديلة، ويُؤسس لاقتصاد أخضر مستدام وشامل.

ورغم أن انبعاثات أفريقيا لا تتجاوز 4% من الانبعاثات العالمية، فإنها القارة الأكثر تضررًا من آثار التغير المناخي، من فيضانات وجفاف وحرائق وتصحُّر وانعدام الأمن الغذائي.

هذا الوضع يُفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ويُضعف القدرة على تمويل مشروعات التحول الطاقي.

لذلك، فإن أيّ نقاش حول تحول الطاقة العادل في أفريقيا لا يمكن فصله عن قضايا التمويل المناخي والعدالة التاريخية.

استثمارات تحول الطاقة

تحديات تحول الطاقة العادل في أفريقيا.

يُعدّ تحول الطاقة العادل في أفريقيا مسارًا معقّدًا تحكمه تحديات بنيوية واقتصادية وسياسية متداخلة.

فيعاني العديد من الدول الإفريقية من فقر طاقي حادّ، ووفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة (2022)، فإن ما يقارب 43% من سكان القارة لا يحصلون على الكهرباء، بينما يعاني أكثر من 80% من السكان في المناطق الريفية من انعدام الوصول إلى مصادر طاقة نظيفة للطهي.

في هذا السياق، يُصبح الحديث عن "تحول الطاقة العادل" مرهونًا أولًا بتحقيق العدالة الطاقية الأساسية، أي ضمان الوصول الشامل والآمن للطاقة.

وأشار تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (2023) إلى أن إفريقيا لا تستقبل سوى 2% من الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة، ما يعمّق الفجوة بين الطموحات المناخية والواقع العملي.

كما أن العديد من المشروعات المقترحة يُصمَّم دون مراعاة الخصوصيات المحلية أو دون إشراك المجتمعات المحلية، مما يهدد استدامتها.

ويشير البنك الأفريقي للتنمية (2021) إلى أن الدول المصدرة للطاقة تواجه "مفارقة انتقالية"، إذ يُطلَب منها تقليل الانبعاثات في الوقت الذي تعتمد فيه ميزانياتها بشكل كبير على عائدات الوقود الأحفوري.

كما يُعدّ ضعف الحوكمة وغياب السياسات الطاقية الشاملة من أبرز العوائق، حيث يؤدي غياب الإطار التشريعي الملائم، ووجود الفساد المؤسسي، وانعدام الشفافية، إلى تعثُّر المشروعات أو سوء تنفيذها.

إضافة إلى ذلك، يعاني العديد من الدول من هشاشة ناتجة عن النزاعات المسلحة أو التوترات الاجتماعية، ما يُضعف القدرة على تنفيذ إصلاحات إستراتيجية في القطاع الطاقي.

ومن المهم أيضًا فهم أن العدالة الطاقية في أفريقيا ترتبط بمبدأ العدالة المناخية؛ أي الاعتراف بأن القارة أسهمت بنسبة ضئيلة جدًا في التغير المناخي، لكنها تتحمل العبء الأكبر من آثاره.

لذلك، تُطالب الدول الأفريقية بـ"حيز عادل" يسمح لها بتحقيق النمو الاقتصادي بالتوازي مع مسار تحول الطاقة.

وقد أكدت قمة نيروبي للمناخ (2023) هذا المطلب، داعيةً الدول الصناعية إلى تقديم تمويلات وتعويضات عادلة، وتيسير نقل التكنولوجيا.

وبالرغم من كل هذه التحديات، فإن بلدان شمال أفريقيا قطعت خطوات مهمة في مجال الطاقات المتجددة، فالجزائر وضعت هدفًا لإنتاج 15 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2035.

مشروعات الطاقة الشمسية في الجزائر

كما شرعت في تنفيذ أكثر من 3000 ميغاواط منها، بدعم من مبادرة “Taqathy+” المشتركة مع الاتحاد الأوروبي، التي تهدف إلى تسريع تحول الطاقة وتعزيز قدرات إنتاج الهيدروجين الأخضر.

التحديات تبقى كبيرة

المغرب -بدوره- يحقق خطوات كبيرة بفضل استثماراته الكبيرة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خاصة مشروع "نور ميدلت" في ورزازات، وهو أحد أكبر محطات الطاقة الشمسية المركزة في العالم.

كما يستهدف المغرب رفع حصة الطاقات المتجددة إلى 52% من مزيج الطاقة بحلول 2030.

وفي 2025، أعلنت الرباط خطة لبلوغ 20 غيغاواط من القدرات المتجددة، تتضمن مشروعات طموحة في إنتاج الكهرباء والأمونيا الخضراء، ومشروعات تخزين كهرباء مدمجة بقدرة 1200 ميغاواط/ساعة.

الطاقة المتجددة في المغرب

وفي تونس، رغم بطء التطور، تجاوزت قدرات الطاقات المتجددة حاجز 777 ميغاواط في 2025، مع خطة حكومية لبلوغ 35% من مزيج الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، و80% بحلول عام 2050، رغم التحديات المرتبطة باستيراد الغاز وغياب التمويل الكافي.

أمّا بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، فتعاني من ضعف في التغطية الكهربائية، إذ يعيش نحو 666 مليون أفريقي بدون كهرباء، وفقًا لتقرير Energy Progress لعام 2025.

لكن هذه المعضلة تُمثِّل في الوقت ذاته فرصة لتحقيق تحول الطاقة العادل عبر "القفز" مباشرة إلى الطاقات المتجددة.

رواندا مثال على دولة نجحت في زيادة نسبة التغطية الكهربائية من 6% في عام 2009 إلى أكثر من70% في عام 2025، بفضل الاستثمارات في الطاقة الشمسية والوقود الحيوي.

وإثيوبيا -أيضًا- تُراهن على سدّ النهضة ومزارع الرياح لتقليص اعتمادها على الفحم، غير أن التحديات تشمل ضعف التمويل، وتذبذب الدعم الدولي، ونقص الكفاءات التقنية.

خطوات نحو تحقيق تحول الطاقة العادل

لتحقيق تحول الطاقة العادل، ينبغي اتّباع خطوات إستراتيجية تضمن التوازن بين البُعد البيئي، والاقتصادي، والاجتماعي، وهي:

  • أولًا: يجب وضع سياسات وطنية متكاملة تراعي خصوصية كل دولة، وتدمج أهداف التنمية المستدامة.
  • ثانيًا: توجيه الاستثمارات نحو الطاقات المتجددة، وتوفير حوافز للقطاع الخاص للإسهام في التمويل الأخضر.
  • ثالثًا: التركيز على تأهيل اليد العاملة من خلال برامج التدريب المهني لإعادة دمج العاملين في القطاعات التقليدية ضمن الاقتصاد الأخضر.
  • رابعًا: تعزيز العدالة المناخية من خلال دعم المجتمعات الهشة والمناطق المتأثرة بتحول الطاقة
  • خامسًا وأخيرًا: التعاون الإقليمي والدولي لتبادل الخبرات والتقنيات وضمان التمويل العادل.

وختامًا، فإن تحول الطاقة العادل العادل ليس مجرد شعار بيئي، بل هو مشروع حضاري وإنساني يرتبط بكرامة الإنسان، وحقّه في الطاقة، والتنمية، والعمل.

وعلى أفريقيا، بشمالها وجنوبها، أن تخوض هذه المعركة بشروطها، وبصوت موحّد، يدافع عن مصالح شعوبها، ويُعيد صياغة معادلة الطاقة والعدالة.

* د.منال سخري - خبيرة وباحثة في السياسات البيئية.

* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق قادة أوروبيون يدعون ترامب للتفاوض مع روسيا ولكن بعد وقف إطلاق النار في أوكرانيا
التالى نقابة الصحفيين المصريين تجدد إدانتها للجرائم الوحشية للعدوان الصهيوني في غزة