02:21 م - الثلاثاء 8 يوليو 2025

يواجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تحديًا متصاعدًا في تحديد اتجاه السياسة النقدية، وسط إشارات اقتصادية متضاربة ومشهد تجاري عالمي لا يزال يتسم بالتقلب. وعلى الرغم من التباطؤ النسبي في بعض مؤشرات النمو، لا يزال التضخم يشكل مصدر قلق حقيقي، مما يصعّب على صناع القرار اتخاذ خطوة حاسمة بشأن خفض أسعار الفائدة في المدى القريب.
المعضلة تتعمق مع صدور نتائج مسحية حديثة، محلية وعالمية، تشير إلى توقعات مختلطة من جانب مجتمع الأعمال. ففي حين تُخطط الشركات لرفع أسعار منتجاتها، يعكس ذلك في الوقت نفسه توقعات بتراجع في الإيرادات والطلب. هذا التباين يعكس فقدان الثقة في استقرار البيئة الاقتصادية، ويؤخر تحركات السياسة النقدية التي كانت الأسواق تتوقعها في وقت مبكر من هذا العام.
سياسات ضبابية وتأثيرات متباينة
الضغوط التضخمية لم تعد محصورة في القطاعات المتأثرة مباشرة بالرسوم الجمركية. بل هناك إشارات إلى أن موجة من الزيادات السعرية قد تنتشر على نطاق أوسع، حتى في الشركات التي لا ترتبط بشكل مباشر بالتجارة الدولية. هذا التوسع في الضغوط السعرية يُنذر بمخاطر تضخمية يصعب كبحها عبر قرارات قصيرة المدى.
في الوقت ذاته، تواجه المؤسسات الأميركية، وخصوصًا الشركات المتوسطة التي تشكل ثلث سوق العمل، فاتورة ضخمة تتجاوز 80 مليار دولار نتيجة للرسوم الجمركية الحالية. ومع ضعف قدرتها التفاوضية مقارنة بالشركات الكبرى، تجد هذه المؤسسات نفسها أمام خيارات محدودة: إما تمرير التكاليف للمستهلك، أو خفض هامش الربح، أو اللجوء إلى تقليص داخلي في النفقات.
مؤشرات على تباطؤ محتمل في النمو
البيانات المتاحة تعكس حالة من "الركود التضخمي الخفيف" المحتمل. فخطط زيادة الأسعار لدى العديد من الشركات تتجاوز توقعاتها للنمو في الإيرادات، مما يشير إلى توقعات بتباطؤ اقتصادي مصحوب بارتفاع في التكاليف. هذه التوجهات تجعل من قرار خفض الفائدة مسألة حساسة، إذ قد تؤدي إلى زيادة الإنفاق في وقت غير مواتٍ، وبالتالي تحفيز مزيد من التضخم بدلاً من دعمه للنمو.
التجارة الدولية تُربك الحسابات
من جهة أخرى، أدى الغموض السياسي والتجاري القادم من البيت الأبيض إلى تعطيل الحسابات التقليدية للسياسات النقدية. قرارات الرسوم الجمركية التي أُعلنت ثم أُجّلت مرارًا أحدثت صدمة في ثقة مجتمع الأعمال، ودفعت العديد من الشركات إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد، والابتعاد نسبيًا عن الاعتماد على السوق الأميركي.
هذا المشهد أدى إلى تباطؤ في النفقات الرأسمالية وتأخير في سداد الالتزامات التجارية، وهو ما ينعكس سلبًا على النشاط الاقتصادي العام، حتى في ظل بيانات سوق عمل قوية، حيث أضاف الاقتصاد الأميركي 147,000 وظيفة في يونيو، وتراجع معدل البطالة إلى 4.1%.
الفيدرالي في موقف الانتظار
وعلى الرغم من ترقب الأسواق لبدء دورة خفض الفائدة بحلول سبتمبر، فإن الانقسام داخل الاحتياطي الفيدرالي ما زال واضحًا. فبينما ترى شريحة من صناع القرار ضرورة تخفيف السياسة النقدية هذا العام، يفضل آخرون الإبقاء على الوضع الراهن حتى 2026، ما لم تظهر إشارات واضحة على تباطؤ اقتصادي حاد.
التضارب بين ارتفاع التضخم وتراجع الثقة في النمو يضع الفيدرالي في موقف دقيق، حيث إن اتخاذ قرار متسرع قد يؤدي إلى تفاقم أحد الاتجاهين على حساب الآخر. وحتى الآن، لم تتوفر معطيات كافية ترجح كفة أي خيار بشكل قاطع.
بينما تتجه أنظار المستثمرين إلى بيانات الإنفاق الاستهلاكي والتضخم خلال الشهور المقبلة، يبقى الاحتياطي الفيدرالي حذرًا في تقييم الوضع. البيئة الحالية، التي تتسم بتضارب التوقعات والتقلبات السياسية والاقتصادية، تجعل من خفض الفائدة خطوة محفوفة بالمخاطر أكثر مما كانت عليه في أي وقت مضى.
وفي ظل حالة الغموض السائدة، يبدو أن الفيدرالي لا يزال يراهن على "البيانات" وليس "الضغوط" لتحديد توقيت التحرك المقبل، في وقت يزداد فيه التوتر بين السلطات النقدية والإدارة السياسية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.