
belbalady.net في ظل التوجهات الاستراتيجية للدولة نحو تطوير منظومة التعليم العالي، وتعزيز التكامل بين الجامعات والمعاهد العليا، برزت مبادرة "تحالف وتنمية" كواحدة من أبرز المبادرات الرئاسية التي تستهدف توظيف البحث العلمي والبرامج الأكاديمية في خدمة خطط التنمية الشاملة، وربط المؤسسات التعليمية بسوق العمل والإنتاج.
وتُعد مشاركة المعاهد العليا في هذه المبادرة خطوة غير مسبوقة، تعكس تحولًا جوهريًا في النظرة لدور المعاهد، وتُعيد رسم مكانتها ككيانات تعليمية فاعلة قادرة على المنافسة والمساهمة في تحقيق رؤية الجمهورية الجديدة.
وفي هذا السياق، أجرت جريدة الفجر حوارًا حصريًا مع الدكتور جودي غانم، رئيس قطاع التعليم، وأمين المجلس الأعلى للمعاهد العليا، والمشرف العام على تنسيق الجامعات والمعاهد، والذي كشف الكواليس الكاملة لمشاركة المعاهد في مبادرة "تحالف وتنمية"، والمعايير التي تم اعتمادها لاختيار المعاهد المشاركة، وآليات إشراك معاهد أخرى في المراحل التالية.
كما استعرض الحوار ملامح خطة التطوير الشاملة التي تتبناها وزارة التعليم العالي لتحديث المعاهد العليا على عدة مستويات: من اختيار القيادات الأكاديمية وفقًا لمعايير جديدة، وتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس، وتحديث البنية التحتية، إلى إنشاء مراكز التوظيف، وتحفيز البحث العلمي، وربط البرامج الدراسية باحتياجات السوق.
وأكد د. غانم أن المرحلة المقبلة ستشهد تحولًا نوعيًا في أداء المعاهد، خاصة مع دمجها الكامل في القطاعات الأكاديمية الموحدة مع الجامعات، وإدخال آليات التقييم والاعتماد والجودة بشكل أكثر شمولًا وعدالة.
حوار شامل يتناول مستقبل المعاهد العليا في مصر، وتحولها من مجرد مؤسسات تقليدية إلى منصات تعليمية منافسة ومنتجة ومتصلة بسوق العمل ومقتضيات التنمية.
في البداية.. كيف تم اختيار المعاهد التي شاركت في مبادرة «تحالف وتنمية»؟
أود أن أوضح أن مشاركة المعاهد في المبادرة تُعد سابقة مهمة، فهي المرة الأولى التي تُدمج فيها المعاهد في تحالفات علمية وتنموية بهذا الحجم إلى جانب الجامعات.
عند الإعداد للمبادرة، وجهنا دعوة للمعاهد المصنفة ضمن الفئة "A"، وهي المعاهد الحاصلة على الاعتماد وتتمتع بتقييم امتياز من الجهات المختصة. عقدنا لقاءات تنسيقية مع هذه المعاهد، بحضور نائب الوزير، وتم تقديم شرح شامل لكيفية الانضمام للتحالفات وآليات التعاون مع الشركاء الصناعيين.
لاحقًا، أبدت بعض معاهد الفئة "B" رغبتها في المشاركة، فتم تنظيم لقاءات لها أيضًا. لكن ضيق الوقت حال دون استكمال إجراءاتها، ليصل عدد المعاهد المنضمة فعليًا إلى 9 معاهد فقط، اصطحبت معها 6 شركات ومصانع و12 كيانًا كشركاء داعمين.
وهل ما زالت الفرصة متاحة لباقي المعاهد للمشاركة مستقبلًا؟
نعم، نحن نعمل حاليًا على إتاحة الفرصة أمام المعاهد الأخرى للدخول من خلال تحالفات فرعية مع المعاهد التسعة التي تقدمت رسميًا، خاصة أن لدينا نحو 20 معهدًا آخر أبدت اهتمامًا واضحًا بالمشاركة.
الفكرة الأساسية في المبادرة تقوم على تكامل التخصصات، حيث يمكن لمعهد هندسي أن يتحالف مع معهد تجاري أو معهد نظم معلومات، ما يخلق منظومة متنوعة ومترابطة تخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كيف تسير خطة تطوير المعاهد داخل مصر؟
بدأنا بالفعل في تنفيذ خطة تطوير شاملة. أولى الخطوات كانت توحيد القطاعات الأكاديمية بين الجامعات والمعاهد، فأصبح هناك 11 قطاعًا موحدًا (هندسي، طبي، إعلامي.. وغيرها) تتبع نفس المعايير بين المؤسسات التعليمية المختلفة، مما يحقق مساواة وتكافؤ فرص في التقييم والتطوير.
الخطوة التالية تمثلت في وضع معايير حديثة لاختيار العمداء، تشمل تقديم المرشح لخطة تطوير استراتيجية للمعهد تشمل جودة العملية التعليمية، والاعتماد الأكاديمي، والبحث العلمي. كما نُشدد على أهمية القيادة الفعالة كعنصر محوري في تحقيق التطوير المستدام.
وماذا عن تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس؟
نولي هذا الملف اهتمامًا خاصًا. أصبح من الضروري الآن أن يجتاز كل عضو هيئة تدريس جديد دورات تنمية القدرات قبل التعيين، سواء كان مدرسًا أو معيدًا.
الهدف هو تطوير المهارات التدريسية والبحثية، وضمان جاهزية الكوادر الأكاديمية لتقديم تعليم عالي الجودة، وهو أمر لم يكن مفروضًا بشكل صريح في السابق. كما نعمل على رفع كفاءة الهيئة المعاونة، من خلال برامج تدريبية مكثفة للمعيدين والمدرسين المساعدين.
هل هناك اهتمام بالبنية التحتية للمعاهد؟
بكل تأكيد. نحن نركز على تطوير المعامل والورش والقاعات التدريسية، لأنها مرتبطة مباشرة بالطاقة الاستيعابية وجودة العملية التعليمية.
كما نُشدد على تجهيز المعاهد بما يتناسب مع احتياجات الطلاب من ذوي الإعاقة، وتم البدء في إنشاء مراكز خاصة لخدمة ذوي الهمم، وستُحتسب هذه المراكز ضمن معايير التقييم المؤسسي.
ماذا عن مراكز توظيف الخريجين؟
تأسيس مراكز لتوظيف الخريجين داخل المعاهد يُعد من أهم محاور التطوير. هذه المراكز ستعمل على ربط الخريج بسوق العمل من خلال التواصل المباشر مع الشركات والمصانع، وتحديد المهارات المطلوبة، وإعداد الطلاب لها عبر برامج تدريبية مخصصة.
وسيتم اعتماد تلك المراكز كجزء من آليات تقييم المعهد، من خلال مؤشر واضح: عدد الخريجين المتوظفين من أصل إجمالي الخريجين. فالمعهد الذي يُخرج طلابًا مؤهلين ويحصلون على وظائف فعلية سيحصل على تقييم أعلى.
ما الفرق بين مركز التوظيف ووحدة إدارة الخريجين؟
الفرق جوهري. مركز التوظيف معنيّ بإيجاد فرص العمل والتواصل مع الشركات والتدريب العملي. أما وحدة إدارة الخريجين فهي مسؤولة عن تحديث بيانات الخريجين والتواصل معهم بعد التخرج، لكنها لا تُعنى بتوفير فرص توظيف مباشرة.
هل أصبح البحث العلمي عنصرًا أساسيًا في المعاهد؟
نعم، نُعيد الآن هيكلة دور البحث العلمي داخل المعاهد. في الماضي، كان يُنظر للبحث كأداة للترقي فقط. أما الآن، فلدينا توجه قوي نحو تشجيع الأبحاث التطبيقية التي تساهم في حل مشكلات واقعية.
نمنح مكافآت مالية للباحثين الذين ينشرون أبحاثهم في مجلات دولية مصنفة (Q1)، ونتحمل رسوم النشر. كما بدأنا فعليًا تطبيق لائحة دراسات عليا في بعض المعاهد تمنح مزايا مادية للباحثين المتميزين، مما يعزز دورهم ويُسهم في رفع تصنيف المؤسسة.
كيف يمكن أن تتحول المعاهد إلى مؤسسات تنافس الجامعات؟
نُدرك أن بعض المعاهد بالفعل تقدم خدمات تعليمية تفوق الجامعات الحكومية والخاصة، وتحظى بسمعة مهنية قوية في سوق العمل، ويُطلب خريجوها بالاسم.
نعمل الآن على تعميم هذا النموذج الناجح من خلال تطوير البرامج الأكاديمية، وبناء شراكات مع المؤسسات الصناعية، وإطلاق مراكز التوظيف، ما يجعل المعهد مؤسسة تعليمية متكاملة قادرة على تخريج طلاب مؤهلين تنافسيًا.
كلمة أخيرة في نهاية الحوار؟
رسالتي للمعاهد هي أن الفرصة سانحة الآن للتميز والمنافسة. الوزارة تُقدم كل الدعم اللازم لمن يملك الرؤية والطموح. كل معهد يستطيع أن يتحول إلى كيان فاعل إذا استثمر في أستاذه، وباحثه، وطالبه، وشراكاته المجتمعية.
ونحن في المجلس الأعلى للمعاهد نعمل على تمهيد الطريق أمام الجميع من أجل بناء معاهد قوية، مؤثرة، تواكب الجمهورية الجديدة وتُسهم في تنمية الوطن.
ختامًا، تتضح من حديث الدكتور جودي غانم ملامح رؤية متكاملة لتطوير المعاهد العليا في مصر، تبدأ بإدماجها الفعلي في المبادرات القومية مثل "تحالف وتنمية"، ولا تنتهي عند حدود تحسين البنية التحتية أو تحديث اللوائح، بل تمتد لتشمل بناء نموذج أكاديمي وإداري جديد يُعلي من الجودة، ويربط بين الخريج وسوق العمل بشكل مباشر وفعّال.
الرؤية التي تقودها وزارة التعليم العالي حاليًا، بالتعاون مع المجلس الأعلى للمعاهد، ترتكز على محاور عدة: اختيار قيادات واعية تملك خططًا تطويرية حقيقية، دعم البحث العلمي التطبيقي، إنشاء مراكز لتوظيف الخريجين، وتقديم برامج تدريبية متخصصة لأعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة.
كل هذه الخطوات تهدف إلى تحويل المعهد من مجرد محطة تعليمية تقليدية، إلى كيان إنتاجي يُسهم في التنمية ويواكب متغيرات السوق.
المعاهد العليا لم تعد مجرد خيار بديل أمام الطلاب، بل أصبحت جزءًا من منظومة متكاملة تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة، وصناعة خريج منافس، ومؤسسة تعليمية قادرة على الابتكار والتميز.
ومع استمرار هذا النهج، تبدو المعاهد اليوم أقرب من أي وقت مضى للتحول إلى منصات حقيقية لصناعة المستقبل.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"