تمر السنوات على عجل، كأنها لا تلتفت وراءها، ولا تُمهلنا حتى نستوعب ما عشناه.
وفي يوم ميلادي، لا يسعني إلا أن أقف في محطة التأمل، أتصفح ما مضى من عمري بدهشة لا تخلو من امتنان، وأسأل نفسي: متى مرت كل تلك الأعوام؟ وكيف استطاعت أن تحمل في طياتها كل تلك التفاصيل التي ظننت ذات يوم أنها لن تمر أبدا؟!.
كم من لحظة ثقيلة عشتها، ظننت أنها ستكسرني، وكم من موقف شعرت فيه أنني لن أتمكن من تجاوزه، فتسبقني دموعي في كل موقف، وأحيانا كنت اسمع صوت قلبي وهو ينكسر، فإذا بي اليوم أنظر إليه من بعيد، وأبتسم، لا سخرية، بل رضا وفهما أعمق لمعنى الرحلة.
لقد كان كرم الله يحفني من كل جانب، يربت على قلبي حين توجع، ويقودني إلى الضوء ولو من بين عتمة، ويرزقني بلحظات الفرح في أوقات ظننت فيها أن الفرح قد انتهى.
خذلتني بعض القلوب، نعم!.. وتألمت من بعض الظنون، لكنني لا أزال موقنة بأن في كل خذلان درسا، وفي كل ألم منحة خفية لا يعلمها سوى ربي، لم أفقد الرضا، ولم ينطفئ الأمل في داخلي، وما زلتُ أؤمن بأن القادم يحمل لي ما هو خير.
أنا اليوم لا أحتفل بعدد السنوات أبدا، فلا أخفي عليكم سرا عددها يزعجني بعض الشيء، بل أحتفل بقدرتي على الصمود، وبقلب لا يزال نابضا بالإيمان، وبعقل لم يتوقف عن الحلم، وبخطوات تسير رغم كل شيء.
العُمر في النهاية ليس إلا رقما، أما ما يصنع القيمة الحقيقية فهو ما نعيشه، وما نتعلمه، وما نمنحه لأنفسنا وللآخرين من حب ونُبل وصبر وصدق.
وفي عامي الجديد، لا أطلب سوى أن يظل كرم الله يرافقني، وأن يمنحني القوة للاستمرار، والرضا عن كل ما هو مكتوب، والحكمة لأفهم أن ما مضى لم يكن عبثا، وأن ما سيأتي يستحق أن ننتظره بثقة.. وكل عام وأنا ممتنة.