تتجه الأنظار نحو أسواق المعادن الثمينة مع توقعات قوية لمسارها الصعودي خلال ما تبقى من العام 2025 وما بعده. ووسط بيئة اقتصادية وجيوسياسية معقدة وشديدة التقلبات، يبرز الذهب والفضة كأصول استثمارية عالية الجاذبية، مدفوعيْن بعدة عوامل أساسية، بينما يواجه الدولار الأمريكي تحديات قد تهز عرش هيمنته العالمية التي استمرت على مدار عقود، وفقًا لموقع "كيتكو" المتخصص في أخبار المعادن.
الذهب: الملاذ الآمن يواصل صعوده بثبات
في عالم تزداد فيه المخاطر، يرسخ الذهب مكانته بثبات كأحد الأصول الأكثر إغراء للمستثمرين الباحثين عن استثمارات الملاذ الآمن. ووصل سعر المعدن الأصفر في أغسطس 2025 إلى حوالي 3362.51 دولار للأوقية، مسجلًا ارتفاعًا مذهلًا بنسبة 37.65% مقارنة بالعام الماضي، وفقًا لبيانات موقع تريدينج إيكونوميكس المتخصص في الشأن الاقتصادي. هذا الصعود القوي لا يعكس الطلب المتزايد على المعدن الثمين فحسب، بل يؤكد أيضًا ارتفاع ثقة الأسواق والمستثمرين في الذهب كأفضل أداة للتحوط ضد المخاطر الاقتصادية.
وتتفق المؤسسات المالية الكبرى على أن هذا الزخم الصعودي سيستمر. ورفع محللو بنك "إتش إس بي سي"، في تقرير نشرته إيكونوميك تايمز توقعاتهم لمتوسط سعر الذهب إلى 3215 دولار للأوقية، متوقعين 3175 دولار بنهاية 2025 و3025 دولار في 2026، في نطاق تداول يتراوح بين 3100 و3600 دولار. أما التوقعات الأكثر تفاؤلًا فتأتي من بنك "جي بي مورجان"، الذي يرى في تحليل على موقعه الرسمي أن الأسعار قد تصل إلى 3675 دولار بحلول الربع الأخير من عام 2025، وربما تلامس أسعار المعدن الأصفر 4000 دولار بحلول منتصف عام 2026.
تجدر الإشارة إلى أن هذه التوقعات الطموحة مدفوعة بعوامل أساسية قوية أبرزها استمرار عمليات شراء البنوك المركزية التي تُقدر بـ 900 طن هذا العام، بالإضافة إلى عودة تدفقات رأس المال إلى صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب، خاصة في الصين.
كما أكدت شركة فيديلتي إنترناشونال هذا الاتجاه الصعودي، حيث توقعت وصول الذهب إلى 4000 دولار بنهاية 2025، مشيرةً إلى أن خفضًا محتملًا لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي وتراجع الدولار الأمريكي سيزيد من جاذبيته.
ومع ذلك، ليست كل التوقعات وردية ومتفائلة بنفس القدر. إذ يحذر بعض المحللين على منصة "إيزي ماركتس"، من أن عقبات كثيرة قد تحول دون وصول الذهب إلى مستويات قياسية جديدة. مشيرين إلى أن استقرار أسعار الفائدة قد يحد من المكاسب ويجعل الذهب يتحرك في نطاقات سعرية محددة.
الفضة: المعدن مزدوج الاستخدامات يتأهب لقفزة كبيرة
فيما تستعد الفضة، التي تُلقب أحيانًا بـ "ذهب الفقراء"، لإثبات أنها لاعب قوي في ساحة الاستثمار. ويحوم سعر الفضة الحالي حول 37.02 دولار للأوقية، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 29.6% عن العام الماضي، وفقًا لبيانات تريدينج إيكونوميكس.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الأداء القوي مدعوم بدورها المزدوج: فهي تعمل كملاذ آمن وتعتبر مكونًا أساسيًا في العديد من الصناعات التكنولوجية المتطورة.
وكشفت توقعات المحللين عن تفاؤل كبير بمستقبل أداء الفضة. إذ تتوقع نشرة كوين برايس فوركاست أن تصل الفضة إلى 42.30 دولار بنهاية 2025، مع أهداف بعيدة المدى قد تلامس 50 دولار بحلول عام 2027 و88 دولار قبل عام 2028. كما يشير تحليل موقع إنفستينج هافن إلى نمط رسم بياني صاعد طويل الأجل يُعرف بـ "كوب ومقبض"، مما يدعم فكرة أن الفضة تستعد لاختبار مستويات قياسية تاريخية.
يُعزى هذا التفاؤل إلى عاملين رئيسيين:
الطلب الصناعي القوي: تستخدم الفضة بشكل واسع في قطاعات الطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية، وفي صناعة السيارات الكهربائية والبطاريات. هذا الطلب المتزايد يخلق ضغطًا صعوديًا على الأسعار، خاصة مع القيود البيئية على التعدين.
نسبة الذهب إلى الفضة: أشار تقرير لموقع إف إكس ستريت التحليلي إلى أن هذه النسبة، التي تزداد مع ارتفاع النفور من المخاطر، تشير إلى أن الفضة قد تكون مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية مقارنة بالذهب، مما يجعلها فرصة استثمارية جذابة للمستثمرين الذين يبحثون عن عوائد أعلى.
الدولار الأمريكي: رقصة التوازن في عالم مضطرب
وفي السياق، يواجه الدولار الأمريكي، العملة التي تهيمن على غالبية الأسواق العالمية، تحديات معقدة وتوقعات متباينة. يتوقع موقع لونج فوركاست أن يستقر مؤشر الدولار (DXY) عند متوسط 100.04 في أغسطس 2025. وأشار تحليل لـ جي بي مورجان إلى أن نمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.7% يدعم استقرار الدولار. لكن في الوقت نفسه، تتزايد الشكوك حول مساره.
وتعتمد تحركات الدولار بشكل كبير على السياسات النقدية التي يضعها مجلس الاحتياطي الفيدرالي. فقرار تثبيت الفائدة، كما يتوقع غالبية المحللين سيكون إيجابيًا للدولار وسلبيًا للذهب. بينما أي خفض كبير للفائدة، قد يكون إشارة سلبية للدولار وإيجابية للمعادن الثمينة. وأشار تقرير لموقع كامبريدج كيرنسيس إلى تراجع محتمل للدولار في 2025 رغم قوته المبكرة، مع تركيز الأسواق على سياسات الاحتياطي الفيدرالي.
العلاقة المترابطة: فرصة للمستثمرين
وتؤدي هذه الأصول الثلاثة فرصة معقدة على مسرح الأسواق العالمية. ويجب الانتباه إلى أن ارتفاع أسعار المعادن الثمينة غالبًا ما يشير إلى مخاوف المستثمرين من التضخم أو ضعف الدولار، والعلاقة العكسية بينهما واضحة وتاريخية، كما يرى فريق من المراقبين أن صعود الدولار وتفاؤل الأسواق يضعان ضغوطًا على الذهب، لكنهم يتوقعون تعافيًا إذا خفف الفيدرالي من سياسته، أو مال بشكل أكبر إلى خفض معدلات الفائدة الأمريكية، وهو أمر ينادي به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتعرقله مخاوف صناع السياسة من سقوط الاقتصاد الأمريكي في الركود التضخمي، ويقف هذا الخلاف وراء انتقادات ترامب المتكررة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، والتلويح عدة مرات خلال العام باحتمالية الإطاحة به من منصبه.
وبالنسبة للمستثمرين، يقدم هذا المشهد فرصًا وتحديات عدة، ويوصي خبراء بإدراج الذهب في المحافظ الاستثمارية كوسيلة للتحوط ضد التضخم والمخاطر الجيوسياسية. بينما توفر الفضة إمكانيات صعودية أكبر بفضل دورها الصناعي، مما يجعلها خيارًا جذابًا للمستثمرين الذين يبحثون عن عوائد أعلى مع تحمل مخاطر أكبر.
وفي عام 2025، تبدو الأسواق على موعد مع مزيد من الإثارة، حيث يتألق الذهب والفضة في صدارة السباق، بينما يحاول الدولار الحفاظ على توازنه في عالم مليء بالتحديات.