أخبار عاجلة

دماء غزة في كفة الميزان.. قرار حماس بين هيمنة الإخوان والمسؤولية الوطنية

دماء غزة في كفة الميزان.. قرار حماس بين هيمنة الإخوان والمسؤولية الوطنية
دماء غزة في كفة الميزان.. قرار حماس بين هيمنة الإخوان والمسؤولية الوطنية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تمر عملية السلام في غزة بمنعطف حاسم مع تطور المفاوضات حول الهدنة الأخيرة، ويفتح هذا المنعطف باب أسئلة محورية حول طبيعة مطالب حركة حماس ومدى استقلالية قراراتها عن تنظيم الإخوان المسلمين الدولي، وإلى أي درجة تراعي منظمة حماس مصالح شعب غزة المنكوب.

الواضح هو أن حماس تتحرك في ساحة معقدة من المصالح المتشابكة، حيث تتصاعد الاتهامات بأن دماء الغزاويين "رخيصة" في حساباتها السياسية، بينما تؤكد هي أن شروط الهدنة تحمل في طياتها ضمانات لإنقاذ القطاع وإنهاء الحصار.

المطالب الأساسية لحماس في الهدنة الأخيرة أكثر من مجرد وقف إطلاق نار، حيث تستند مطالب حماس في جولة المفاوضات الحالية (يوليو 2025) إلى ثلاثة محاور جوهرية تعكس محاولة لتحقيق مكاسب استراتيجية، الأول هو الحصول على ضمانات دولية بوقف دائم لإطلاق النار، وترفض حماس فكرة الهدنة المؤقتة (60 يوماً) دون ضمانات مكتوبة - هذه المرة مباشرة من الرئيس الأمريكي ترامب - بعدم استئناف إسرائيل القتال بعد انتهاء المدة، حتى لو فشلت المفاوضات حول تسوية دائمة، ربما هذا التشدد يعكس درساً مستفاداً من التجارب السابقة حيث انهارت الهدن المؤقتة، أما المحور الثاني من وجهة نظر حماس فهو إعادة السيطرة على المعابر والمساعدات ونلاحظ مطالبة حماس بعودة "نموذج توزيع المساعدات السابق" عبر الأمم المتحدة، وهو ما تعتبره إسرائيل محاولة لاستعادة نفوذها الإداري والاقتصادي في القطاع، ويتبلور المحور الثالث في إيجاد آلية إطلاق سراح متوازنة، ويقترح الاتفاق الحالي إطلاق 8 رهائن أحياء في اليوم الأول مقابل إطلاق سراح عدد غير محدد من الأسرى الفلسطينيين، مع انسحاب إسرائيلي من مواقع محددة، ثم يتوزع إطلاق سراح الباقي (10 أحياء و18 متوفياً) على مدى الـ60 يوماً، مع منع أي احتفالات دعائية بنقل الرهائن كما حدث سابقاً.

ولأن حماس هي مجرد فصيل تابع لشبكة عنكبوتية أكبر وهي تنظيم الإخوان المسلمين، نجد أنه من المهم للمتابع أن يرصد علاقة حماس بالإخوان المسلمين وهل هناك استقلال للقرار الحمساوي أم تبعية تنظيمية؟

نشأت حركة حماس من رحم جماعة الإخوان المسلمين، حيث تأسست كفرع فلسطيني للجماعة عام 1987. لكن العلاقة التنظيمية المباشرة انقطعت عملياً بعد فترة قصيرة،  مما جعل حماس كياناً مستقلاً تنظيمياً وإن حافظ على روابط فكرية، والانفصال التنظيمي هذا أكده مسؤولون في حماس مثل عزت الرشق أن الحركة "ليست لها علاقة تنظيمية مع الإخوان أو غيرهم"، وأنها "حركة وطنية فلسطينية مستقلة". كما نفى خالد مشعل أي تدخل لحماس في الشأن الداخلي لجماعة الإخوان، وبالرغم من هذا النفي إلا أن البعض يرى أنه النفي الذي يثبت التأكيد، وذلك لبروز التأثير السياسي غير المباشر من جماعة الإخوان، وبالرغم من الاستقلال التنظيمي المزعوم، تبقى حماس جزءاً من منظومة التحالفات الإقليمية للإخوان، وهو ما يظهر في مواقف مثل رفض إسماعيل هنية إدانة جماعة الإخوان في مصر بعد تصنيفها "إرهابية" عام 2014، قائلاً: "لا يمكن لحماس أن تتنكر لأيديولوجيتها أو تاريخها". هذا الموقف أثر على العلاقات مع مصر، مما زاد معاناة الغزاويين.

وهنا يجد الجميع أنهم أمام معادلة صعبة وهي دماء الغزاويين بين المقاومة والمسؤولية. لذلك تواجه حماس انتقادات حادة بأنها تقدم مصالحها السياسية وأمن قياداتها على حياة المدنيين في غزة، وهي اتهامات تصل إلى حد القول إن "الدم الغزاوي رخيص في حساباتها"، حيث تلتزم حماس بإستراتيجية يمكن تسميتها باستراتيجية المناورة والمخاطرة، وما يجعلنا نقول ذلك هو رفض حماس المتكرر للصفقات السابقة بحجة "عدم ضمان إنهاء الحرب" وهو ما أدى إلى استمرار القتال وزيادة الضحايا، ففي مايو 2025، رفضت حماس عرضاً مشابهاً لأنها طالبت بـ"ضمانات أمريكية بعدم استئناف القتال"، مما أطال أمد المعاناة. كما لاحظ المتابعون أن حماس مازالت تواصل فكرة السيطرة السياسية وفق ما يخدم بقاءها كنظام حكم في غزة.

وما بين شعبية المقاومة وثقل المسؤولية تتحرك حماس في مسار يحاول الربط بين ضرورة الحفاظ على شرعيتها كمقاومة، ومسؤوليتها تجاه شعب يعاني ويلات حرب لا هوادة فيها.. ولا تعنى استقلاليتها النسبية عن تنظيم الإخوان الدولي انفصالاً عن مرجعيتها الأيديولوجية، لكنها تمنحها هامشاً لقرارات "براجماتية" كالقبول بالتفاوض مع العدو، لكن السؤال الأقسى يبقى هل يمكن تبرير استمرار الوضع القائم إذا كان الثمن هو تحويل غزة إلى ركام ورفات؟ ربما تكون إجابة الغزاويين أنفسهم - وهم يدفعون الثمن - هي الفيصل في شرعية أي قرار، وفي النهاية، فإن دماء الأطفال الذين يموتون تحت الأنقاض قبل أن يدركوا معنى "المشروع الوطني" قد تكون هي الشاهد الأبلغ على فداحة الثمن.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق 3 إصدارات جديدة على "كتبنا".. تجارب تنموية ونفسية وتأملية تعكس تنوع الكتابات المعاصرة
التالى حالة الطقس اليوم الجمعة في الكويت