وسط زحام الأعباء اليومية، تقف ربة المنزل كعمود فقري للأسرة، تمارس أدوارًا متشابكة تتوزع بين رعاية الأطفال، إدارة شؤون البيت، ومساندة الزوج معنويا واقتصاديا، إلا أن ما يُثير الانتباه في هذا المشهد أن القانون في كثير من الدول، ومن بينها مصر، لا يعترف بشكل فعلي بقيمة هذا الدور في المنظومة التأمينية، فلا تجد ربة المنزل نفسها مشمولة بالحماية الاجتماعية، ولا يحق لها الحصول على معاش أو تأمين صحي إلا بشروط صارمة أو من خلال علاقة غير مباشرة، مثل أن تكون زوجة لمؤمّن عليه.
إدراج ربات البيوت ضمن منظومة التأمينات الاجتماعية
رغم ذلك، فقد بدأت بعض المبادرات الحكومية خلال السنوات الماضية في فتح الباب أمام إمكانية إدراج ربات البيوت ضمن منظومة التأمينات الاجتماعية، عبر الاشتراك بنظام تأميني اختياري، يُتيح لربة المنزل دفع اشتراكات شهرية بسيطة مقابل الحصول على تغطية تأمينية عند بلوغ سن المعاش أو في حالات العجز أو الوفاة. غير أن هذه الخطوة، وإن بدت واعدة، ما زالت محدودة الانتشار وتفتقر إلى التوعية الكافية، فلا تزال نسبة كبيرة من ربات المنازل تجهلن إمكانية الاستفادة منها، أو يواجهن تعقيدات بيروقراطية أثناء محاولة التسجيل أو سداد الاشتراكات.
فتح ملف تأميني لها بصفتها مؤمّنة على نفسها
وتبدأ خطوات الاشتراك التأميني لربة المنزل عادة بفتح ملف تأميني لها بصفتها مؤمّنة على نفسها، سواء في مكاتب التأمينات الاجتماعية أو عبر المنصات الإلكترونية الحديثة التي أطلقتها الحكومة مؤخرًا. ويتطلب الأمر تقديم أوراق بسيطة تشمل صورة بطاقة الرقم القومي، ومستند يثبت محل الإقامة، وإقرار بعدم وجود دخل ثابت أو عمل رسمي. ومن خلال هذه الإجراءات، يُمكن لربة المنزل اختيار الشريحة التأمينية التي تناسب قدرتها المالية، لتبدأ بدفع اشتراكات شهرية أو فصلية وفقًا لخيارات متعددة.
لكن التحدي لا يكمن فقط في الجانب الإجرائي، بل في الثقافة المجتمعية التي لا تزال تنظر إلى ربة المنزل على أنها خارج "دائرة الإنتاج" الرسمي، مما يهمّش مطالبها بحقوق اجتماعية عادلة. هذا الواقع يتطلب إعادة نظر جذرية في مفهوم العمل غير المأجور، وضرورة الاعتراف به كعمل ذي قيمة اقتصادية تستحق الحماية والرعاية.
وفي حين أن بعض الدول الأوروبية قد سبقت إلى توفير أنظمة تأمين شاملة لربات البيوت باعتبارهن شريكات فاعلات في التنمية، فإن الطريق في الدول العربية ما زال طويلًا، ويحتاج إلى إرادة سياسية، ونقاش اجتماعي واسع يعيد تقييم مفهوم العمل من منظور أكثر إنصافًا.
آلاف النساء يؤدين أدوارا بطولية داخل البيوت
ختامًا، يبقى ملف تأمين ربة المنزل واحدًا من أبرز القضايا التي تكشف عن الفجوة بين الواقع القانوني والواقع الاجتماعي، وبينما تتسع هذه الفجوة، تظل آلاف النساء يؤدين أدوارا بطولية داخل البيوت دون غطاء تأميني، بانتظار أن يلتفت إليهن القانون والمجتمع باعتبارهن عاملات حقيقيات في صمت، يستحققن ما يضمن لهن الحياة الكريمة في الحاضر والمستقبل.