تهفو قلوب الملايين من المسلمين من شتى بقاع الأرض إلى مكة المكرمة، استجابةً لأمر الله وأداءً لفريضة الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، وتتحول الأراضي المقدسة في هذه الأيام إلى لوحة إيمانية فريدة، تتجسد فيها معاني التوحيد، والمساواة، والتجرد من الدنيا، حيث يقف الجميع على صعيدٍ واحد بملابس الإحرام البيضاء، لا فرق بين غني وفقير، أو عربي وأعجمي، إلا بالتقوى، ومع هذا التدفق الروحي الهائل، تتزايد أهمية التوعية بمناسك الحج، وأحكامه، وروحه العميقة، لضمان أداء هذه الشعيرة العظيمة على الوجه الذي يُرضي الله ويحقق مقاصدها السامية.
ما يوم النحر وتفاصيله؟
"يوم النحر" هو ليس فقط العيد الأكبر عند المسلمين، بل هو اليوم المفصلي في رحلة الحاج إلى بيت الله الحرام، حيث تتوالى فيه أعظم شعائر الحج التي تؤدي إلى التحلل الأكبر وإتمام النسك.
ففي صباح اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، يبدأ الحاج بواحدة من أهم المناسك وهي رمي جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات متتاليات، ويُشترط أن يكون الرمي بعد منتصف الليل، لكن الأفضل أن يتم بعد شروق الشمس لمن استطاع.
بعد الرمي، ينتقل الحاج إلى ذبح الهدي، وهو واجب على المتمتع والقارن، بينما المفرد لا يجب عليه هدي إلا إذا كان نذرًا أو كفارة، ويتم الذبح في منى أو مكة، سواء قام الحاج بذلك بنفسه أو أوكل من يقوم عنه، ثم يلي ذلك الحلق أو التقصير، والحلق أفضل للرجال، أما النساء فيكتفين بقص مقدار بسيط من أطراف الشعر لا يتجاوز رأس الإصبع.
التحلل الأصغر
بعد هذه الأفعال الثلاثة، يتحلل الحاج التحلل الأصغر، ويُسمح له بلبس الثياب العادية وترك المحظورات عدا الجماع، بعدها يتوجه الحاج إلى المسجد الحرام لأداء طواف الإفاضة، وهو ركن لا يتم الحج بدونه، ويكون الطواف سبعة أشواط حول الكعبة، ويُعقبه السعي بين الصفا والمروة لمن لم يسعَ سابقًا مع طواف القدوم.
والترتيب في أداء هذه المناسك سنة وليس واجبًا، فمن قدّم الذبح على الرمي، أو الطواف قبل الحلق، فلا حرج عليه، لقول النبي ﷺ في أكثر من موقف: "افعل ولا حرج"، وفي يوم يجتمع فيه الطاعة، والدموع، والتكبير، يكون الحاج قد اقترب من ختام رحلته الإيمانية التي انتظرها سنين.