أصبحت منصات التواصل الاجتماعى فى عصر الانفجار الرقمي، أكثر من مجرد فضاءات للتسلية أو تبادل الآراء العابرة. لقد تحولت إلى أدوات قوية لتشكيل الوعى الجمعي، بل وأصبحت أحد أبرز المؤثرين فى صناعة الرأى العام، خصوصًا لدى فئة الشباب. فالمحتوى الذى يُستهلك بشكل يومى عبر هذه المنصات لا يمر عبر قنوات تدقيق أو مراجعة، ما يجعلها ساحة مفتوحة أمام كل خطاب، سواء كان توعويًا أم تحريضيًا.
هذا التحوّل الهائل ترافق مع غياب شبه كامل للرقابة الفعالة على المحتوى، لا سيما فى السياقات التى تتطلب حساسية عالية، كالدين والسياسة والهوية. كثير من المنصات الكبرى تعتمد خوارزميات ترتّب المحتوى بناءً على التفاعل، لا على القيمة أو السلامة الفكرية. وهكذا، تجد الخطابات المتطرفة فرصتها للانتشار السريع، لأن محتواها غالبًا ما يثير الغضب أو الفضول، وهو ما يزيد من معدل التفاعل والمشاركة.
ومع هذا الانتشار السهل، بات من السهل إعادة إنتاج سرديات الكراهية والعنف بشكل ناعم ومقنّع. لا يُقدَّم المتطرف اليوم كعدوّ واضح، بل كضحية "مظلومة"، أو بطل يقاوم "الاضطهاد"، أو ناصح غيور على الدين والأخلاق. هذه السرديات تُبث عبر فيديوهات قصيرة، جمل مشحونة عاطفيًا، وصور مُنتقاة بدقة، تزرع فى المتلقى شعورًا بالانتماء لقضية، حتى ولو كانت قضية زائفة أو مغلوطة.
والأخطر أن هذا الخطاب المتطرف لم يعد يُستهلك فقط من قبل فئة محدودة، بل أصبح جزءًا من المحتوى اليومى الذى يتعرض له المستخدم العادي. ونتيجة لسطحية التفاعل الرقمي، حيث لا وقت للتأمل أو التفنيد، يسهل أن تنزلق العقول، خاصة غير المُحصنة معرفيًا، إلى قبول هذه الأفكار تدريجيًا، حتى لو لم تدرك منذ البداية أنها تسير فى طريق التطرف.
التطرف يخرج من "الترند"
لم يعد الطريق إلى التطرف يمرّ عبر الدروب التقليدية المعروفة، كالجماعات السرّية أو الخلايا المغلقة فى المساجد الهامشية. فى زمن "الترند"، باتت منصات مثل "تيك توك" و"يوتيوب" قادرة على لعب دور المحرّض الأول، من خلال محتوى قصير، مشوّق، عالى الجودة، يجمع بين الإبهار البصرى والرسالة الأيديولوجية المبطنة. فمشاهد فضولى قد يصادف مقطعًا واحدًا يثير فيه الغضب أو الحماسة، وسرعان ما يجد نفسه وسط سلسلة متوالية من المقاطع التى تغذّى هذا الشعور وتوجهه نحو مسار معين.
تعتمد هذه الحسابات على ما يمكن تسميته بـ"هندسة المظلومية"، حيث يُصوّر الفرد أو الجماعة المستهدفة بوصفها ضحية دائمة لظلم ممنهج من "الآخر" – سواء كان هذا الآخر دولة، أو ثقافة، أو طائفة، أو منظومة عالمية. هذا الخطاب لا يصرخ مباشرة: "اكره"، بل يهمس أولًا: "انظر كم نحن مظلومون". ومن هنا تبدأ أولى خطوات التأثر، ليس من منطلق قناعة فكرية، بل من استثارة وجدانية عميقة.
ومع التكرار، يتحول هذا الخطاب من التلويح بالعاطفة إلى خطاب تعبوى كامل. تبدأ اللغة تأخذ منحى حادًا: "هم أعداؤنا"، "لا مجال للمهادنة"، "الحق لا يُنتزع إلا بالقوة". هذه الرسائل يتم تمريرها ضمن سرديات تبدو فى ظاهرها نبيلة: الدفاع عن الدين، عن الكرامة، عن الهوية، لكنها تُحمّل ضمنيًا برموز التحريض والعنف والعداء للآخر. وبهذا، يُعاد تدوير خطاب الكراهية فى هيئة فيديو قصير لا يتجاوز دقيقة، لكنه يحمل بذور تحوّل فكرى خطير. والنتيجة أن التطرف لم يعد ظاهرة هامشية تتطلب مجهودًا للوصول إليها، بل أصبح مدموجًا فى المحتوى الرقمى السائد، مغلفًا بلغة حديثة، وصور جذابة، وأساليب سردية مشوقة. وكلما زادت مشاهدات هذه الفيديوهات، عزّزت الخوارزميات من انتشارها، ليصبح التطرف نفسه "ترندًا" يجتذب عقولًا جديدة كل يوم، لا لشيء سوى أنه يوفّر إجابات سهلة، وعدوًا واضحًا، وشعورًا زائفًا بالقوة والانتماء.
حالة "أنور العولقي" و"القاعدة على يوتيوب"
كان الداعية اليمنى الأمريكى أنور العولقى من أوائل من استغلوا يوتيوب لنشر خطب باللغة الإنجليزية تستهدف المسلمين فى الغرب. استُخدمت مقاطع فيديوه القصيرة فى تجنيد شباب من بريطانيا وكندا والولايات المتحدة، ومن بينهم "عمر الفاروق عبد المطلب" الذى حاول تفجير طائرة فوق ديترويت فى ٢٠٠٩. بعد مقتله، استمرت فيديوهاته فى الانتشار، وأدرجت على قوائم المراقبة، لكن بعد أن كانت قد خلّفت تأثيرًا واسعًا.
"داعش" وفيديوهات الإنتاج السينمائى على تيليجرام ويوتيوب:
نظّم تنظيم "داعش" حملات إعلامية محترفة عبر وحدته المعروفة باسم "الفرقان" و"الحياة"، حيث قدموا محتوى فائق الجودة يجمع بين العنف والإبهار البصري. فيديوهات قطع الرءوس، أو المعارك المصورة كأفلام الأكشن، استخدمت لإثارة الإعجاب والصدمة فى آنٍ واحد، واستهدفت خصوصًا المراهقين عبر قنوات تيليجرام ومقاطع موزعة على يوتيوب وفيسبوك قبل حظرها.
الدينيون الجدد
فى عدد من الدول العربية، برزت حسابات على تيك توك ويوتيوب تقدم محتوى دينيًا ظاهريًا، لكنه يروج بشكل ناعم لأفكار سلفية أو إخوانية، مستخدمًا لغة شبابية، ومؤثرات صوتية، وسيناريوهات تمثيلية. هؤلاء لا يصرّحون بانتماءاتهم، لكن تحليل محتواهم يكشف تمريرهم لأفكار مثل "وجوب إقامة الخلافة"، "العداء للغرب"، "المرأة فتنة"، وغيرها من الرسائل التى تُمهّد ذهنيًا لمناخ متطرف.
تجربة "داعشيات أوروبا"
قُمن فتيات فى فرنسا وألمانيا، لم يسبق لهن الاحتكاك بجماعات إسلامية، باعتناق فكر داعش بعد متابعتهن لحسابات على إنستغرام وتيليجرام تصور الحياة فى "دولة الخلافة" كيوتوبيا مثالية: مجتمع نقي، عفة، وضوح هوية، انتماء. هذه الصورة الرومانسية دفعت بعضهن للسفر إلى سوريا، ليتحولن لاحقًا إلى أدوات دعائية أخرى داخل التنظيم.
هذه النماذج توضح كيف انتقل التطرف من هامش الواقع إلى قلب المنصات الرقمية، مستفيدًا من خوارزميات الانتشار، وضعف الرقابة، وسهولة التأثير العاطفي.
أبطال الشاشة... مجرمون فى الواقع
لم يعد الإرهابى فى زمن الإعلام الرقمى يظهر كخارج عن القانون أو مهدد للسلم، بل تحوّل فى بعض الأوساط الرقمية إلى "نجم شاشة" يُقدَّم بصفته بطلًا ملحميًا. فبمساعدة تقنيات المونتاج الحديثة، يتم إنتاج مقاطع مصورة فائقة الجودة تروى ما يشبه "قصة بطولة" مزعومة، حيث يَظهر منفذ التفجير أو المقاتل فى مشاهد بطيئة الحركة، محاطة بالموسيقى الملحمية، والعبارات الدينية المؤثرة، وكأننا أمام مشهد سينمائى من فيلم أكشن لا من مسرح جريمة.
هذا النوع من المحتوى لا يُنتج عشوائيًا، بل يخضع لتخطيط بصرى وسردى هدفه الأساسى إبهار المتلقى وإثارة وجدانه، خاصة لدى الفئات الأصغر سنًا. إذ تُعاد صياغة مشاهد العنف ضمن إطار "الانتصار" أو "الدفاع عن الكرامة"، لتضليل العقول وإقناعها بأن هذا السلوك العدوانى هو "مشروع" أو حتى "مطلوب". تتلاشى فى هذه المقاطع حدود الخير والشر، وتُستبدل بالانبهار البصرى الذى يخدر الحس النقدى للمشاهد.
اللافت فى هذا المشهد أن منصات رقمية كبرى مثل "يوتيوب" و"تيك توك" كثيرًا ما تتأخر فى رصد هذا النوع من المحتوى أو حجبه، لا سيما حين يحقق نسب مشاهدة مرتفعة. فتقنيات الذكاء الاصطناعى التى تتحكم فى خوارزميات الترويج لا تميز غالبًا بين المحتوى التحريضى والمحتوى الترفيهي، بل تحكمها معايير الجذب والتفاعل، ما يجعل هذه المواد تنتشر كالنار فى الهشيم قبل أن تتدخل الرقابة – إذا تدخلت أصلاً.
هكذا نجد أنفسنا أمام خلل أخلاقى عميق فى بنية الفضاء الرقمى المعاصر، حيث يُكافأ المحتوى المتطرف لا بسبب قيمته، بل بفعل قابليته للانتشار. وبينما تنشغل المنصات بزيادة الأرباح والمشاهدات، يغيب الوعى بخطورة ما يُبث، ويُعاد تشكيل الوعى الجمعي، لا على أسس نقدية أو معرفية، بل على وقع مؤثرات صوتية وصُور مبهرة تُسوّق للعنف باسم البطولة.
رقمنة التجنيد: من الدردشة إلى الجهاد
أصبحت التنظيمات المتطرفة أكثر احترافًا فى استغلال أدوات الاتصال الرقمى لتجنيد الأفراد، حيث لم يعد التجنيد يتم فقط عبر اللقاءات المباشرة أو الخطب الحماسية فى الزوايا المعزولة، بل عبر منصات الدردشة الحديثة التى تُخفى خلفها جيوشًا من المروّجين. يبدأ المسار عادة برسائل ودية ومحتوى دينى أو فكرى مصمم بعناية ليخاطب المشاعر الدينية والاحتياجات النفسية، خاصة لدى من يشعرون بالعزلة أو الاغتراب أو الإحباط.
مع الوقت، يُنقل "المهتم" إلى مجموعات مغلقة على تطبيقات مشفّرة مثل "تليغرام"، أو غرف صوتية ودردشات على "ديسكورد"، حيث تبدأ عملية منظمة لغسل الدماغ. فى هذه البيئات الرقمية المغلقة، يُعاد بناء وعى الشخص من الصفر: يُعاد تفسير النصوص الدينية، يُغذّى الإحساس بالمظلومية، وتُقدّم نماذج العنف باعتبارها ممارسات مشروعة أو حتى بطولية.
الخطير فى هذه الشبكات أنها تعمل ضمن فضاءات يصعب اختراقها قانونيًا أو أمنيًا، مستفيدة من تقنيات التشفير والخصوصية العالية التى تتيحها هذه المنصات. فبينما تجهد السلطات لملاحقة خطاب الكراهية على المنصات المفتوحة، تنشط غرف التجنيد الحقيقى فى الظل، بعيدًا عن أى رقابة مؤسسية أو مجتمعية، ما يمنح المتطرفين هامشًا واسعًا لإعداد أتباعهم وتنظيم تحركاتهم.
هذا النمط من الرقمنة لا يمثل فقط تطورًا فى أدوات التجنيد، بل نقلة نوعية فى تكتيكات التأثير والتعبئة. فقد أصبح "الجهاد الرقمي" يبدأ من دردشة بسيطة، ويتطور إلى عملية استقطاب ممنهجة ومُحكمة تقود الفرد من العزلة إلى حمل السلاح، وكل ذلك دون أن يخطو خارج غرفته أو يترك أثرًا يمكن تتبعه بسهولة. إنها بيئة خصبة لنمو التطرف، تُدار بذكاء، وتستغل الثغرات القانونية والتكنولوجية فى آنٍ واحد.
اليوتيوبر والداعية
فى عصر الإعلام الرقمي، بدأ يظهر نوع جديد من "الدعاة" أو "المؤثرين الإسلاميين" الذين لا يقتصرون على منابر المساجد التقليدية أو الفضائيات الإسلامية. هؤلاء المؤثرون يستخدمون أدوات الميديا الحديثة التى توفرها منصات مثل "يوتيوب" و"إنستغرام" و"تيك توك" لإنتاج محتوى دينى بلغة معاصرة، يعتمد على أساليب احترافية فى الإضاءة والمونتاج والخلفيات الجذابة. لكن رغم هذه التقنيات الحديثة، فإنهم لا يتوانون عن إعادة إنتاج خطاب تقليدى قديم، يعزز أفكارًا رجعية أو يقدس العنف، ويكرس مفاهيم مغلوطة تتعارض مع قيم التعايش والاعتدال.
واللافت فى هذه الظاهرة أن هؤلاء الدعاة الجدد يعتمدون على الأساليب البصرية المثيرة واللغة العصرية، لكنهم يمررون من خلالها رسائل تحرض على الكراهية والتعصب. فى كثير من الأحيان، يتجنبون استخدام كلمات صريحة قد تعرضهم للمساءلة القانونية أو الرقابة، لكنهم يمررون رسائل مشفرة يمكن أن تُفهم كدعوة للتفوق الطائفى أو التحريض ضد الفئات المختلفة. بهذه الطريقة، ينجحون فى تقديم خطابهم دون أن يثيروا الانتباه أو يتعرضوا للمسائلة المباشرة. ومن خلال استخدام "الترند" أو الأحداث الرائجة على منصات التواصل الاجتماعي، يتمكن هؤلاء المؤثرون من جذب جمهور أكبر وتوسيع دائرة تأثيرهم. فالتفاعل مع المواضيع الرائجة والمحتوى الشعبى يتيح لهم الوصول إلى فئات واسعة، بما فى ذلك الشباب الذين قد لا يكون لديهم وعى كافٍ بمخاطر الأفكار المتطرفة التى يُروج لها. ومن خلال هذا الأسلوب، يتمكنون من تحويل القضايا الاجتماعية والسياسية إلى قضايا دينية، ويشوهون الواقع فى سبيل جذب المتابعين. ويصبح التحدى الأكبر هو كيفية التعامل مع هذا "الخلط" بين الدعوة والإعلام، حيث تتلاشى الحدود بين الداعية التقليدى واليوتيوبر الذى يتخذ من وسائل التواصل الاجتماعى منبرًا لنشر أفكار قد تكون متطرفة أو تحريضية. الأمر يتطلب جهودًا مضاعفة من الجهات المعنية لضبط هذه الظاهرة، والتمييز بين ما هو خطابى دينى معتدل وبين ما هو خطاب تحريضى أو مغلوط يتم ترويجه عبر منصات وسائل التواصل الحديثة.
المسؤولية المشتركة
المسئولية فى مواجهة ظاهرة التطرف الرقمى لا تقع فقط على عاتق منصات التواصل الاجتماعي، بل هى مسئولية مشتركة تتوزع بين عدة أطراف. أولًا، هناك سياسات الدول التى يجب أن تكون أكثر فاعلية فى مراقبة ومكافحة المحتوى المتطرف على الإنترنت، ولكن من دون التعدى على حرية التعبير أو فرض رقابة مفرطة. تلك السياسات يجب أن تشمل قوانين وأدوات رقابية أكثر دقة ومرونة، لمواكبة التطورات السريعة فى تقنيات التواصل الرقمي، وضمان حماية الأفراد من الدعاية المتطرفة. ومع ذلك، فإن الغياب الفعلى للتنظيم الرقمى على مستوى عالمى يعزز من انتشار هذا النوع من المحتوى.
ثانيًا، تُعد التربية الرقمية عاملاً حاسمًا فى التصدى لهذه الظاهرة. هناك حاجة ملحة لتعزيز الوعى الرقمى لدى الأجيال الجديدة، بحيث يتعلمون كيفية التعامل مع المحتوى على الإنترنت بطريقة نقدية وواعية. ومع الأسف، فإن الأنظمة التعليمية فى العديد من الدول لا تركز بما فيه الكفاية على تعليم الطلاب كيف يميزون بين المعلومات الصحيحة والمضللة، وكيف يمكنهم فهم الرسائل المشفرة التى تُستخدم فى استقطاب المتطرفين. إن غياب هذا الوعى يجعل الشباب أكثر عرضة للوقوع فى فخ المحتوى المضلل والمتطرف.
علاوة على ذلك، يظهر دور الإعلام النقدى كعامل حاسم فى تصحيح المفاهيم المغلوطة. فالإعلام، بدلاً من أن يكون أداة توعية وتنبيه، غالبًا ما يكون فى بعض الأحيان غائبًا عن مواكبة التطورات الرقمية، أو غير قادر على تقديم خطاب نقدى وموضوعى يكشف جذور التطرف فى المحتوى الرقمي. الإعلام التقليدى لا يزال يعتمد على أساليب قديمة فى التعامل مع هذه القضايا، وهو ما يُساهم فى عزلة المشاهد عن النقاشات الضرورية، خصوصًا فى ظل ثورة المعلومات التى جعلت منصات التواصل الاجتماعى بديلاً سريعًا للفضائيات ووسائل الإعلام التقليدية.
وأخيرًا، تظل المؤسسات الدينية والتعليمية فى بعض الأحيان متأخرة فى مواجهة الخطاب الرقمى المتطرف. فالكثير من هذه المؤسسات لا تواكب التحولات فى وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تقدم بديلاً عقلانيًا مقنعًا يستطيع جذب الأجيال الجديدة. إن الخطاب الدينى التقليدى يعانى من أزمة كبيرة فى تحديث محتواه وتقديم رسائل دينية تلامس اهتمامات الشباب، ما يجعل منصات مثل "تيك توك" و"يوتيوب" بديلًا أكثر جذبًا. الحل يكمن فى أن تقوم هذه المؤسسات بتحديث أساليبها، وتنظيم دورات تعليمية وندوات رقمية تشارك فيها مع الخبراء للتفاعل مع الشباب فى الفضاء الرقمي، وتقديم حلول فكرية دينية تساهم فى تحصينهم ضد الأفكار المتطرفة.
أدوات واهداف
وسائل التواصل الاجتماعى ليست شريرة بطبعها، بل هى أدوات ذات إمكانات هائلة يمكن أن تكون منبعًا للمعرفة، والتواصل الإنساني، والإبداع. لكن مع تحولها إلى ساحة مفتوحة بلا حراس، أصبحت البيئة المثالية لنشر الأفكار المتطرفة والمضللة. ففى غياب الرقابة الفعالة والتوجيه الصحيح، تساهم هذه المنصات فى نشر الخطابات المسمومة التى تروج للعنف والكراهية، مما يجعل من السهل على الأفراد الانزلاق إلى دوامة من التطرف. ما كان يمكن أن يكون مكانًا للتعلم والتواصل، أصبح الآن أحد أكبر مراكز تجنيد المتطرفين فى العالم.
إن خطورة هذه المنصات تكمن فى قدرتها على الوصول إلى الجمهور الواسع بشكل غير مسبوق. إذ يمكن لأى محتوى متطرف أن ينتشر بسرعة عبر الشبكات الاجتماعية، ويصل إلى ملايين المستخدمين حول العالم. ومع تصميم هذه المنصات لتشجيع المشاركة والتفاعل، يصبح الأمر أكثر صعوبة فى السيطرة على الرسائل السلبية التى تُروج للعنف. المشكلة ليست فقط فى نشر المحتوى، بل فى كيفية استهلاكه، حيث تتيح التكنولوجيا الحديثة للأفراد استهلاك هذا المحتوى بشكل سريع وسهل، مما يجعلهم عرضة للمؤثرات الخارجية دون أن يلاحظوا تأثيرها التدريجى على أفكارهم وسلوكهم.
إذا لم نُدرك خطورة هذه الظاهرة ونتعامل معها كأداة تتطلب توجيهًا ورقابة دقيقة، فإننا نُقرب أنفسنا من كارثة معرفية وأمنية. فكما أن وسائل التواصل لا تخلو من فوائد كبيرة فى مجالات التعليم والتواصل، إلا أنها تحتاج إلى مواجهة معرفية حقيقية لتفكيك خطاب الكراهية والعنف الذى يتسلل إليها. يجب أن يتم تبنى حلول شاملة، تشمل رقابة قانونية، وتوجيه إعلامي، وتربية رقمية، لمواجهة تأثير هذه المنصات على عقول الأفراد.
و إذا استمرت المنصات فى السماح بنشر الخطابات المتطرفة دون تدخل حاسم، فسيبقى الطريق من "بوست" إلى بندقية أقصر مما نتصور. إذ قد يصبح من السهل على أى شخص، سواء كان مبتدئًا فى عالم الإنترنت أو شخصًا غارقًا فى أيديولوجيات متطرفة، أن يتحول إلى فاعل فى عالم العنف. لذلك، لا بد من تضافر الجهود بين الحكومات، والمنظمات المدنية، والمؤسسات الدينية والتعليمية لوضع حلول فعّالة تضمن استخدام هذه الأدوات الرقمية بشكل آمن وبناء.
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق