أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، 5 مايو، 2025:في واحدة من أبرز جلسات معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025، احتضنت منصة المجتمع ندوة استثنائية بعنوان "عيون العجائب فيما أورده أبوالطيب من اختراعات وغرائب"، بمناسبة إطلاق الكتاب الجديد الذي يحمل الاسم نفسه، لمؤلفه سعادة الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، بحضور الشاعر اللبناني وأستاذ الفيزياء الدكتور مهدي منصور، فيما أدارت الحوار الإعلامية وصانعة المحتوى لانا مدوّر.
وافتتح بن تميم حديثه بتأمل شخصي عميق، مسترجعًا أولى علاقاته الشعرية بأبي الطيب المتنبي، من خلال قصيدة يعتبرها أصل شعريته ومفتاح ديوانه، والتي يقول فيها:
"كم قتيلٍ كما قُتِلتُ شهيدُ...
لبياضِ الطلي ووردِ الخدودِ"
ورأى أن هذه القصيدة المبكرة تُشكل النواة التي تشع منها بقية قصائد المتنبي، واصفًا إياها بأنها قصيدة "الصبا" التي ألهمت مجمل مشروعه الشعري.
واستعرض بن تميم تأملاته في ثيمات القصيدة، مشيرًا إلى تأثر أبي القاسم الشابي بها في قصيدته الشهيرة "عذبة أنت كالطفولة"، ومقاربته للغة الحب والعطر كما فعل أمرؤ القيس، لكنه توقف عند أمر لافت وهو البعد الديني في قصائد المتنبي، مؤكدًا أن أغلب النقاد اختزلوا قراءته في جدلية المذهب والانتماء، في حين أن المتنبي ذاته تجاوز تلك التصنيفات، بل خاض في أديان مختلفة من دون أن يعلن انتماء واضحًا، وأشار إلى أن المتنبي قدّم اختراقات فنية كبرى، ليس أقلها إعادة تشكيل صورة الخيل في الشعر العربي، وابتكار "فن القول على ظهر الجواد"، ما يعكس قدرة المتنبي على إعادة صياغة الرموز الشعرية التقليدية في قوالب إبداعية جديدة. من هنا جاءت فكرة الكتابالمتمثلة في اكتشاف "الاختراعات" الكامنة في شعر المتنبي عبر 40 بيتًا تم اختيارها بعناية، لتكون مرايا لعقل عبقري سبق عصره.

من جهته، نوّه الدكتور خليل الشيخ، مدير إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في المركز، إلى أن اهتمام الدكتور بن تميم بالشعر الكلاسيكي – وتحديدًا شعر المتنبي – جاء بعد تجربة طويلة مع الشعر الحديث، معتبرًا أن هذا العمل يختلف عن معظم ما كُتب عن المتنبي، كونه لا يشرح، بل يكتشف، ويقدّم مقاربة شعرية ومعرفية لا تستند إلى التفسير التقليدي، بل إلى البحث عن الأفق الجمالي والمعرفي في شعر المتنبي، ضمن رؤية حداثية متجددة.
أما الدكتور مهدي منصور، فاعتبر أن المتنبي يشكّل فاصلًا حاسمًا في تاريخ الشعر العربي، مؤكدًا أن ما قبل المتنبي ليس كما بعده. وتوقف عند بعض أبياته التي تتداخل فيها الفلسفة مع الصورة الشعرية، مشيرًا إلى أن المتنبي استطاع تحريك الخيال العربي بطريقة لم يسبقه إليها أحد، قائلًا: "هو الشاعر الذي أضاء لنا الشعر كما نرى الأشياء عبر الضوء، لا الضوء ذاته."
وأضاف أن كتاب "عيون العجائب" لا يكتفي باستعراض شعر المتنبي، بل يكشف عن اختراعاته البلاغية والفكرية، ويستخرج لآلئ بقيت دفينة لقرون، بأسلوب بعيد عن التكرار أو الحواشي التقليدية، مقدّمًا المتنبي كحالة معاصرة قادرة على مخاطبة القارئ الحديث. ويحرص مركز أبوظبي للغة العربية على استثمار معرض أبوظبي الدولي للكتاب للكشف أحدث إصداراته، بوصفه تظاهرة ثقافية جماهيرية شاملة.
نبذة عن مركز أبوظبي للغة العربية:
تأسس مركز أبوظبي للغة العربية، الذي يتبع دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، بموجب قانون صادر عن رئيس الدولة لدعم اللغة العربية، ووضع إستراتيجيات عامة لتطويرها والنهوض بها علميًا، وتعليميًا، وثقافيًا،وإبداعيًا، وتعزيز التواصل الحضاري، وإتقان اللغة العربية على المستويين المحلي والدولي، بالإضافة إلى دعم المواهب العربية في مجالات الكتابة، والترجمة، والنشر، والبحث العلمي، وصناعة المحتويين المرئي والمسموع، وتنظيم معارض الكتب، ودعم صناعة النشر في المنطقة، ولتحقيق ذلك يعتمد المركز على برامج متخصصة، وكفاءات فذة، وشراكات مع كُبريات المؤسسات الثقافية والأكاديمية والتقنية حول العالم، انطلاقًا من مقره في العاصمة الإماراتية أبوظبي.
لمحة عن دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي:
تتولى دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي قيادة النمو المستدام لقطاعي الثقافة والسياحة في الإمارة، وتغذي نمو العاصمة الاقتصادي، وتساعدها على تحقيق طموحاتها وريادتها عالميًا بشكل أوسع.
ومن خلال التعاون مع المؤسسات التي ترسخ مكانة أبوظبي وجهة أولى رائدة؛ تسعى الدائرة إلى توحيد منظومة العمل في القطاع حول رؤية مشتركة لإمكانات الإمارة، وتنسيق الجهود وفرص الاستثمار، وتقديم حلول مبتكرة، وتوظيف أفضل الأدوات والسياسات والأنظمة لدعم قطاعي الثقافة والسياحة.
وتتمحور رؤية دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي حول تراث الإمارة، ومجتمعها، ومعالمها الطبيعية. وهي تعمل على ترسيخ مكانة الإمارة وجهة للأصالة والابتكار والتجارب المتميزة متمثلة بتقاليد الضيافة الحية، والمبادرات الرائدة، والفكر الإبداعي.
نبذة عن معرض أبوظبي الدولي للكتاب:
يُعد معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي انطلق في العام 1981، منصة ثقافية دولية رائدة تجمع الناشرين والمثقّفين والمتخصّصين والمكتبات والوكلاء والمؤسسات الثقافية والإعلامية لتبادل الأفكار والخبرات، واستكشاف الفرص، وتعزيز التواصل والتعاون حول قطاع النشر والصناعات الإبداعية.
ويستضيف الحدث السنوي، دور نشر عربية وإقليمية ودولية، كما يُقدّم برنامجًا ثقافيًا ومعرفيًا متكاملًا يشمل الجوانب الثقافية والمهنية والتعليمية والإبداعية والترفيهية، إلى جانب فعّاليات، ومحاضرات، وجلسات نقاشية، وورش عمل متخصّصة بمشاركة نخبة من الأدباء والمثقّفين، ما يُسهم في تطوير قطاع النشر والصناعات الإبداعية، ويعزّز قدرات الناشرين المحليين والعرب ويفتح آفاقًا جديدة أمامهم.