كشفت دراسة بحثية موسعة عن نتائج واعدة قد تعيد رسم ملامح الطب الوقائي، وذلك بعد أن توصل علماء إلى أن بعض الأدوية المستخدمة في إنقاص الوزن قد تؤدي إلى خفض احتمال الإصابة بأنواع معينة من السرطان المرتبطة بالسمنة إلى النصف تقريبًا، وتعد هذه النتائج، بحسب خبراء الصحة العامة، نقطة تحول في مسار فهم العلاقة بين السمنة والسرطان.
ووفقا لـ The Guardian أظهرت الدراسة أن الأدوية التي تعتمد على تنشيط مستقبلات هرمون GLP-1، مثل “ساكسيندا” و”بايتا” و”تروليسيتي”، لا تقتصر فوائدها على إنقاص الوزن فحسب، بل تمتد لتشمل تقليص معدلات الإصابة بالسرطان بشكل كبير، وشملت الدراسة ما يزيد عن 6000 مشارك من البالغين الذين لم يكن لديهم تاريخ سابق مع السرطان. وقد تم تقسيمهم إلى مجموعتين، والأولى خضعت لعمليات جراحية لمعالجة البدانة، بينما تلقت الثانية علاجات دوائية تعتمد على مستقبلات GLP-1.
ورغم أن من أجروا الجراحة فقدوا وزنًا يزيد بنحو الضعف مقارنة بمن تناولوا الأدوية، فإن نسبة انخفاض خطر الإصابة بالسرطان كانت متقاربة في كلا المجموعتين، وأوضح الباحثون أن الجراحة تؤدي إلى تقليل خطر الإصابة بأنواع السرطان المرتبطة بالسمنة بنسبة تتراوح بين 30% و42%، لكن المفاجأة كانت في أن بعض أدوية فقدان الوزن أظهرت فعالية وقائية أكبر، ما يُشير إلى أنها قد تعتمد على آليات أخرى، من بينها تقليل مستويات الالتهاب في الجسم، وهي آلية معروفة بارتباطها بالتحفيز السرطاني.
وأشار البروفيسور درور ديكر، الباحث المشارك في الدراسة، إلى أن الأدوية الحديثة من فئة GLP-1 قد تُقدم حماية أكثر تطورًا بفضل قدرتها على التحكم في مؤشرات الالتهاب، كما أكد أن هناك حاجة لإجراء المزيد من التجارب طويلة الأمد لتقييم تأثير هذه الأدوية على أنواع السرطان غير المرتبطة بالسمنة، في سياق متصل، قارنت دراسة أخرى فعالية عدد من حقن إنقاص الوزن، فوجدت أن مستخدمي دواء معين خسروا وزنًا أكثر بنسبة 50% مقارنة بأولئك الذين استخدموا نوع أخر، حيث بلغ معدل انخفاض الوزن لدى المجموعة الأولى نحو 20.2%، مقابل 13.7% في المجموعة الثانية بنهاية التجربة السريرية.
من جانبه، وصف البروفيسور مارك لاور، المتخصص في أبحاث السرطان بجامعة كوينز بلفاست، نتائج الدراسة بأنها “مذهلة”، رغم كونها دراسة رقابية تستوجب تفسيرًا حذرًا. وقال: “إن كان العلاج الدوائي قادرًا على تقليل خطر الإصابة بالسرطان المرتبط بالسمنة بنسبة تقارب 50%، فهذا يُمثل نقلة نوعية في استراتيجية الوقاية الطبية.”
وأضاف لاور أن نتائج الدراسة تبدو منطقية من منظور بيولوجي، خاصة في ظل ما هو معروف عن دور الالتهاب في نشوء الأورام، وأن التأثير المحتمل لهذه الأدوية قد يشمل أنواعًا متعددة من السرطانات، من بينها سرطان القولون والثدي والبنكرياس والمبيض، التي يُعد بعضها من أكثر الأنواع تعقيدًا في العلاج.
أما البروفيسور جايسون هالفورد فقد دعا إلى ضرورة توسيع نطاق الدراسات، ليس فقط في مجال الوقاية، بل أيضًا في دعم مرضى السرطان الجدد، موضحًا أن تحسين إدارة الوزن في المراحل المبكرة للمرض قد يسهم في تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة.
وفي ختام المؤتمر الذي استعرض هذه النتائج، أصدر فريق من الخبراء توصيات بضرورة اعتبار أدوية فقدان الوزن أولوية بحثية في مجال الوقاية من السرطان. وقد بدأت بالفعل جامعة مانشستر، بدعم من مؤسسة أبحاث السرطان البريطانية، في التخطيط لتجربة سريرية واسعة تضم عشرات الآلاف من المشاركين، على أن تُنجز خلال فترة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات.
وفي ظل هذه المؤشرات الإيجابية، يؤكد الباحثون أن حقن إنقاص الوزن قد تفتح الباب أمام تحول جذري في الوقاية من السرطان، ليس فقط عبر خفض الوزن، بل من خلال استهداف آليات بيولوجية أعمق وأكثر تعقيدًا.