في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، تبدو الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لخوض مواجهة عسكرية شاملة مع إيران، بعد عقود من المحاولات الدبلوماسية والفشل في كبح الطموحات النووية لطهران.
إيران، التي أعلنت مرارًا أن برنامجها النووي مخصص لأغراض سلمية، تتقدم بسرعة نحو القدرة على إنتاج قنبلة نووية، مما يثير قلقًا عميقًا لدى إسرائيل، والولايات المتحدة، وكافة الدول العربية التي تعتبر هذا البرنامج تهديدًا وجوديًا.
وفقًا لموقع يورآسيا ريفيو، التوترات الحالية ليست مجرد خلاف تقليدي، بل تتعلق باستراتيجية طويلة الأمد تشمل حشد النفوذ الإقليمي وحماية المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها.
لكن البرنامج النووي الإيراني ليس المشكلة الوحيدة، إذ تدير طهران شبكة واسعة من الميليشيات والجهات الوكيلة، تشمل حزب الله في لبنان، وحركة حماس في غزة، والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن.
هذه الجماعات ليست مجرد فاعلين إقليميين، بل أدوات مباشرة للنفوذ الإيراني، مزودة بالسلاح والتمويل لتعطيل استقرار الجوار وتهديد المصالح الغربية.
الهجوم الذي شنته حماس في ٧ أكتوبر على إسرائيل، والذي حمل بصمات إيران من حيث الاستراتيجية والإمداد، يؤكد هذه الشبكة المعقدة من النفوذ العسكري والسياسي.
ويكشف تاريخ العقوبات الأمريكية ضد إيران محدودية فعاليتها في ردع طموحات طهران. فقد نجحت الولايات المتحدة جزئيًا في تقييد الاقتصاد الإيراني وحرمانه من الاستثمارات الدولية والوصول إلى أسواق النفط، إلا أن النظام الإيراني صمد، مستغلًا شعور القومية والضغوط الدولية لكسب تأييد داخلي، وموّجهًا الموارد المتبقية من خلال الحرس الثوري لضمان الولاء السياسي. إزالة استثناءات الاستثمار في موانئ مثل شابهار هي خطوة أمريكية حديثة لتضييق الخناق المالي على طهران ومنع أي تمويل محتمل لأنشطة نووية أو ميليشياتية، في إشارة واضحة إلى أن الحلول الجزئية لم تعد كافية.
على الصعيد العسكري، ترجح التحركات الأمريكية في المنطقة استعدادًا للتدخل المباشر. إعادة النظر في السيطرة على قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان وتنسيق الجهود مع باكستان، يعكس استراتيجية احتواء شاملة. من الغرب عبر أصول الولايات المتحدة في الخليج، ومن الشرق عبر أفغانستان وباكستان، ومن الشمال عبر اتصال إيران الضعيف بالقوقاز، يبدو أن إيران محاصرة جغرافيًا وعسكريًا، مدعومة بالتفوق البحري الأمريكي في المنطقة.
لكن الحسابات الأمريكية لم تعد مجرد فرضية، بل أصبحت مرتبطة بالالتزامات الاستراتيجية الأمريكية تجاه إسرائيل، التي تعتبر البرنامج النووي الإيراني مسألة وجودية. طهران لم تظهر أي نية للتفاوض أو التراجع، وتجاوز العقوبات والفشل الدبلوماسي يعكس أن صبر الغرب على إيران بدأ ينفد. واشنطن ترى أن السماح لإيران بالوصول إلى السلاح النووي سيؤدي إلى سباق تسلح إقليمي، وتدمير أي فرص لاستقرار طويل الأمد في الخليج والشرق الأوسط.
وأكد الموقع المتخصص في الشؤون الجيوسياسية أن المخاطر المرتبطة بالتصعيد العسكري حقيقية، تشمل ارتفاع أسعار النفط واضطرابات اقتصادية وإقليمية واسعة، لكنها أقل خطورة مقارنة بواقع وجود دولة نووية معادية للغرب وحلفائه.
إيران، رغم امتلاكها لجيش وميليشيات قوية، تعتمد في قوتها على وكلائها، وليس على القدرة المباشرة لمواجهة الولايات المتحدة. وبذلك، فإن المواجهة العسكرية، إذا اندلعت، ستكون محسوبة لتعطيل البنية النووية والقدرات الإقليمية لطهران قبل أن تصل إلى مرحلة تهديد الوجود الفعلي.
ويرجح المراقبون أن واشنطن تضع حدًا لفترة طويلة من الصبر، مشيرين إلى أن المرحلة القادمة قد لا يكون بها سوى القليل من التفاوض، بل باتت المواجهة الحقيقية أكثر احتمالا. فالولايات المتحدة، من خلال تضييق الاقتصاد الإيراني واستعدادها العسكري الإقليمي، ترسل رسالة واضحة: إيران لن تمر دون عواقب، وأن حماية إسرائيل والمصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تتطلب اتخاذ إجراءات قوية وحاسمة.