في خضم الجدل الدائر حول السياسات الاقتصادية والآثار المترتبة على الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة، يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إثارة نقاش واسع بعد إعلانه فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 100%، وتشمل قطاعات حيوية مثل الأدوية المحمية ببراءة الاختراع والأثاث.
هذه الخطوة التي طُرحت باعتبارها وسيلة لحماية الصناعة الوطنية من المنافسة الخارجية، أثارت في الوقت ذاته مخاوف المستهلكين والخبراء الاقتصاديين من ارتفاع وشيك في الأسعار داخل الأسواق الأمريكية. ووفقًا لتقارير صحفية أمريكية، فإن الهدف المعلن هو تقليص العجز التجاري، غير أن التداعيات الفعلية قد تصل إلى زيادة أعباء المستهلك العادي، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال.
ومنذ دخوله البيت الأبيض في يناير الماضي، ارتبط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنهج حمائي غير مسبوق، صوّرته إدارته على أنه حماية لـ "العمال الأمريكيين" من آثار العولمة.
إلا أن سياسات ترامب خلّفت سلسلة من المواجهات التجارية مع شركاء بارزين مثل الصين والاتحاد الأوروبي. الرسوم الأخيرة على الأدوية والأثاث، وفقًا لمحللين اقتصاديين، تمثل تصعيدًا نوعيًا لأنها تطال منتجات لا غنى عنها للأسر الأمريكية.
وأضافت الصحيفة أن الأدوية تحديدًا تُعدّ من السلع بالغة الحساسية. فارتفاع أسعارها يعني زيادة مباشرة في تكاليف الرعاية الصحية التي تتحملها الأسر وشركات التأمين. وتشير تقارير من مؤسسات طبية أمريكية إلى أن أي زيادة بنسبة 5 أو 10 في المائة في أسعار الأدوية المستوردة ستضاعف الأعباء على ملايين المرضى. أما في قطاع الأثاث، فالانعكاسات ستكون أكثر وضوحًا في سوق العقارات، حيث يعتمد الأمريكيون على منتجات مستوردة منخفضة الكلفة لتجهيز منازلهم.
ويرى محللون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوظف ورقة الرسوم الجمركية سياسيًا، خصوصًا في مخاطبة الطبقات العاملة. غير أن الخبراء الاقتصاديين حذروا من أن هذه الفئات قد تكون الأكثر تضررًا، لأن الرسوم ستقيد قدرتها الشرائية. ووفقًا لصحيفة أمريكية متخصصة، فإن أسعار الأثاث ارتفعت فعلًا بنحو 12 في المائة خلال العام الماضي نتيجة رسوم سابقة، ما يجعل الإجراءات الحالية مرشحة لمضاعفة هذا الارتفاع.
الأكثر إثارة للجدل هو إدراج قطاع الأدوية ضمن القائمة. فبينما تؤكد الإدارة أن الهدف هو تشجيع الشركات على العودة للإنتاج داخل الولايات المتحدة، يحذّر خبراء من أن صناعة الدواء معقدة وتعتمد على سلاسل توريد عالمية تشمل مواد خام وتقنيات بحث. أي محاولة لقطع هذه السلاسل بسرعة قد تخلق أزمات في التوزيع، وربما نقصًا في بعض الأصناف.
وفقًا لصحيفة "ذا هيل" الأمريكية، ومقرها واشنطن، أبدت جمعيات صناعية خشيتها من اضطراب سلاسل الإمداد، مؤكدة أن الرسوم ستترجم مباشرة إلى زيادات يتحملها المستهلك. وتستند هذه المخاوف إلى تجارب سابقة، أبرزها عام 2018 حين فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا على الحديد والألومنيوم، فانتهى الأمر بارتفاع أسعار السلع النهائية وزيادة الضغوط التضخمية.
وفي الأثناء، يدافع أنصار ترامب عن هذه الإجراءات باعتبارها وسيلة لتقوية الاقتصاد الوطني، حتى لو تحمّل المستهلك بعض الأعباء على المدى القصير. فهم يرون أنها قد تشجع الشركات على إعادة توطين مصانعها وتوفير فرص عمل جديدة. لكن معارضين يعتبرون هذه السياسات سلاحًا ذا حدين، إذ قد تضر بالثقة الاستثمارية وتضعف النمو على المدى الطويل.
أما التحليلات المنشورة في صحيفة "نيويورك تايمز"، فتذهب إلى أن النتائج الفعلية أقل دراماتيكية مما تروج له الإدارة. فحتى الآن، لم تظهر أدلة قوية على عودة واسعة للاستثمارات الصناعية إلى الداخل الأمريكي، بينما بات المستهلك يواجه أسعارًا أعلى وخيارات أقل. وهو ما يثير تساؤلات حول جدوى هذه السياسات إذا لم تحقق وعودها بزيادة فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.
وبينما تحتفي إدارة ترامب بما تعتبره نجاحًا في "إعادة التوازن للتجارة"، يبقى المواطن الأمريكي هو الحلقة الأضعف. فالمستفيد الحقيقي من هذه الرسوم غير واضح، في حين أن المتضرر الأول هو المستهلك الذي يدفع الفارق من جيبه. ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، يبدو أن السجال حول رسوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمركية سيبقى عنوانًا ساخنًا، يختبر قدرة الناخبين على الموازنة بين شعارات الحماية الاقتصادية وواقع تكاليف المعيشة اليومية.