جدد الرئيس عبد الفتاح السيسي تأكيده أن ملف المياه يمثل قضية وجودية بالنسبة لمصر، في ظل ما تعانيه من ندرة مائية شديدة، مشددًا على أن بلاده لن تقبل بأي حال من الأحوال المساس بحقوقها التاريخية في مياه النيل.
وأوضح أن التعاون في منطقة حوض النيل يجب أن يقوم على روح التفاهم والشراكة من أجل تحقيق المصلحة المشتركة لكل الدول المشاطئة، بعيدًا عن أي إجراءات أحادية تهدد الأمن والاستقرار.
ونرصد أخر مستجدات أزمة سد النهضة الأثيوبي
شهدت الفترة الأخيرة نشاطًا مكثفًا على صعيد التحركات المصرية في ملف النيل، حيث تبادل الرئيس السيسي ونظيره الرواندي الرؤى بشأن سبل تعزيز التكامل بين دول حوض النيل، وأكدا مواصلة التشاور والتنسيق لمواجهة التحديات المشتركة، مع احترام القانون الدولي في إدارة الأنهار العابرة للحدود.
كما شدد السيسي، خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، على أن نهر النيل يمثل شريان الحياة لشعوب المنطقة، وأن التعامل الأمثل بين دول الحوض ينبغي أن يتأسس على مبدأ "عدم الإضرار" وتعزيز التعاون لتحقيق المنفعة المشتركة. ونقل الرئيس موسيفيني في هذا السياق مقولة لافتة: "بدون الحفاظ على بيئة حوض النيل، لن نجد شيئًا نتقاسمه".
رفض كامل للإجراءات الأحادية
أكد الرئيس السيسي رفض مصر الكامل لأي إجراءات أحادية في حوض النيل الشرقي، موجهًا رسالة واضحة بأن "مُخطئ من يتوهم أن مصر ستغض الطرف عن تهديد وجودي لأمنها المائي".
وأكد أن القاهرة ستتخذ كافة التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي لحماية حقوقها ومقدرات شعبها.
وأوضح الرئيس أن الموقف المصري لا يقوم على رفض تنمية الأشقاء في دول حوض النيل، بل على العكس تدعم مصر جهود التنمية طالما لا تؤثر على حصتها المائية، مشيرًا إلى أن حوض النيل يتلقى نحو 1600 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، لكن ما يصل إلى مجرى النيل الأبيض والأزرق لا يتجاوز 85 مليار متر مكعب فقط، أي نحو 4% من إجمالي الموارد المائية، وهو ما تعتمد عليه مصر والسودان بشكل أساسي.
دعم مشاريع التنمية في دول الحوض
أعلن الرئيس السيسي استعداد مصر للمساهمة في تمويل مشروعات تنموية تخدم دول حوض النيل، وعلى رأسها مشروع سد "أنجلولو" بين أوغندا وكينيا، وذلك من خلال آلية مصرية للاستثمار في مشروعات البنية التحتية بتمويل مبدئي قدره 100 مليون دولار.
كما تم توقيع مذكرة تفاهم جديدة مع أوغندا في مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية بقيمة 6 ملايين دولار على مدى خمس سنوات، بما يعكس التزام مصر بدعم التنمية في دول الحوض.
تحركات دبلوماسية واسعة
من جانبه، كثف وزير الخارجية بدر عبد العاطي اتصالاته مع نظرائه في السودان، وجنوب السودان، وجيبوتي، وأوغندا، وكينيا، والصومال، لبحث تعزيز العلاقات الثنائية، ومناقشة قضايا الأمن المائي الأفريقي.
وأكد الوزير خلال مباحثاته أن قضية المياه تمثل مسألة وجودية لمصر، مشددًا على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي، ورفض الإجراءات الأحادية، والعمل وفق مبدأ التوافق لتحقيق المنفعة المشتركة.
البعد الدولي للأزمة
لم تقتصر التحركات المصرية على الساحة الأفريقية فقط، بل امتدت إلى المشهد الدولي، حيث ناقش الرئيس السيسي ملف المياه مع قائد القيادة المركزية الأمريكية، مؤكدًا الأهمية القصوى لقضية النيل باعتبارها قضية أمن قومي لمصر.
كما لاقت القضية اهتمامًا أمريكيًا، إذ صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الولايات المتحدة تعمل على حل مشكلة سد النهضة، معتبرًا أنها مشكلة كبيرة كان يجب معالجتها قبل بناء السد، مشيرًا إلى أن النيل يمثل شريان الحياة لمصر.
وقد ثمن الرئيس السيسي هذه التصريحات، مؤكدًا ثقته في قدرة الولايات المتحدة على الإسهام في التوصل إلى حل عادل يضمن مصالح جميع الأطراف.
وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، شدد وزير الخارجية بدر عبد العاطي على أن مصر لن تتهاون في الدفاع عن حقوقها المائية، مؤكداً استعدادها للجوء إلى الآليات القانونية والقضائية الدولية لمواجهة الإجراءات الأحادية الإثيوبية.
رسالة طمأنة للشعب المصري
وجه الرئيس السيسي رسالة طمأنة إلى المصريين، مؤكدًا أن الدولة لن تسمح بالمساس بحقوقها المائية التي تمثل حياة أكثر من 105 ملايين مواطن، إضافة إلى نحو 10 ملايين من المقيمين والضيوف على أرض مصر.
وأضاف أن وعي الشعب المصري وصلابته يمثلان الركيزة الأساسية التي تعول عليها الدولة في مواجهة أي تهديد محتمل.
وختم الرئيس رسالته بالتأكيد على أن مصر لم ولن تكون ضد التنمية أو التعاون، لكنها في الوقت ذاته لن تقبل أن يتحول نهر النيل، مصدر الحياة الوحيد لها، إلى أداة للضغط أو الصراع، بل يجب أن يكون جسرًا للتكامل والتنمية المشتركة بين جميع شعوب الحوض.
