قرار مصلحة الجمارك المصرية الأخير بإعفاء حاملي جوازات السفر المصرية من الرسوم الجمركية على الهواتف المحمولة المستوردة من الخارج، أثار تفاعلًا واسعًا بين المواطنين والمقيمين على حد سواء، ورغم أنه يأتي في إطار التسهيل على المصريين العائدين من الخارج، إلا أنه يفتح في الوقت نفسه بابًا واسعًا للنقاش حول جدواه الاقتصادية وآثاره على السوق المحلي والمستهلك.
فالإعفاء في حد ذاته يمثل خبرًا سارًا لملايين المصريين الذين اعتادوا مواجهة رسوم جمركية مرتفعة على هواتفهم المحمولة عند عودتهم من السفر. ليأتي القرار ليخفف من الأعباء المالية ويجعل عملية إدخال الأجهزة أكثر سهولة ووضوحًا.
كما أن تطبيق "تليفوني" الذي أطلقته الجمارك والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في يناير الماضي، يسهم في ضبط هذه العملية بشكل رقمي، ويمنع التلاعب أو التهرب الجمركي.
إلى جانب ذلك، فإن منح الأجانب إعفاءً مؤقتًا لمدة ثلاثة أشهر دون اشتراط التسجيل المسبق يعزز انسيابية الإجراءات، ويظهر مصر كوجهة مرنة في التعامل مع الزوار والمقيمين، خاصة بعد تكرار الشكاوى من الأجانب والسياح من صعوبات تواجه هواتفهم بعد زيارة أرض الكنانة .
لكن القرار يفتح أيضًا بابًا للجدل. فالإعفاء الجمركي الكامل للهاتف الأول قد يقلص إيرادات الدولة من قطاع الاتصالات، خاصة أن رسوم الجمارك كانت محددة بنسبة 37.5% من سعر الهاتف الثاني هذه النسبة ليست ضئيلة، بل كانت تمثل دخلًا معتبرًا لخزينة الدولة.
كما أن القرار قد يؤدي إلى خلق سوق رمادية داخل مصر، حيث قد يستغل بعض الأفراد الإعفاء في استيراد هواتف بشكل متكرر ثم إعادة بيعها، بما يضر بالوكلاء الرسميين وشركات الهواتف التي تتحمل رسوم الاستيراد كاملة.
ولا يمكن إغفال التأثير المباشر لهذا القرار على شركات المحمول العاملة في السوق المصري، سواء الموزعين أو الوكلاء المعتمدين، هذه الشركات عادة ما تتحمل كامل الرسوم الجمركية عند استيراد الأجهزة، ما يجعل أسعارها الرسمية أعلى من أسعار الأجهزة التي تدخل عبر المسافرين بإعفاء جمركي.
هذه الفجوة قد تدفع المستهلك إلى البحث عن الهاتف المستورد "غير الرسمي" لفرق السعر، مما يضغط على مبيعات الشركات المعتمدة، ويضعف قدرتها على المنافسة.
وفي المقابل، قد تستفيد شركات المحمول جزئيًا من زيادة الطلب على الشرائح والخدمات المرتبطة بالهواتف الجديدة، لكن الخسارة في مبيعات الأجهزة تظل تهديدًا قائمًا.
الإيجابية الكبرى للقرار تكمن في التيسير على المواطن وتبسيط الإجراءات، لكن نجاحه يعتمد على وجود إطار رقابي صارم يمنع استغلاله تجاريًا، مع ضرورة تطوير آليات الربط الإلكتروني عبر تطبيق "تليفوني" وربطها مباشرة بقاعدة بيانات الجوازات وحركة الدخول والخروج.
كما أن على الدولة التفكير في صياغة سياسة متوازنة تضمن استمرار جاذبية السوق للشركات العالمية المصنعة والموزعة، حتى لا يتأثر حجم الاستثمارات أو تقلص الشركات وجودها في السوق المحلي.
برأيي، هذا القرار يحمل جانبًا إنسانيًا واقتصاديًا في آن واحد: فهو يخفف عن المواطن، لكنه قد يضغط على خزينة الدولة وعلى الشركات الرسمية.