في قلب صعيد مصر، تعاني عشرات القرى بمحافظة بني سويف من مأساة يومية، حيث تُغرق مياه الصرف الصحي الشوارع والمنازل، وتخنق حياة السكان برائحة العفن والأمراض.
ورغم وعود الحكومات المتعاقبة ومبادرات التنمية، لم تُحلّ المشكلة حتى اليوم. في هذا التحقيق نسلط الضوء على واقع هذه القرى، أسباب الأزمة، وتحركات السلطات، وصوت المواطن الذي يشعر أن صمته صار أكثر طنينًا من الشكوى.
الصرف الصحي خارج الخدمة:
تُظهر البيانات الرسمية أن نسبة تغطية القرى بمشروعات الصرف الصحي لا تتجاوز 40% من قرى محافظة بني سويف، بينما تزيد نسبة العجز عن 85% في بعض المناطق.
رغم الإعلان في عام 2020 عن إدراج 69 قرية جديدة ضمن خطة التوصيل، فإن التنفيذ لا يزال يعاني من بطء شديد، وتبقى الأزمة قائمة في عشرات القرى.

قرى تعيش الغرق:
• قريتي ميدوم وقمن العروس (مركز الواسطى):
قريتان كاملتان بلا صرف صحي، تعتمد على سيارات الكسح بشكل بدائي. تصرخ الأسر: "الحقونا.. بيوتنا بتقع!"

• بني سليمان وبني نصير:
تعتمد القريتان على شبكات انحدار بدائية دون وجود محطة معالجة متكاملة، مع اعتمادها مستقبلًا على توسعات محطة أبوصير الملق.
• بني عفان، بني بخيت، بني رضوان:
قرى على مقربة من قلب المدينة، لكنها تعاني من تسرب مياه الصرف إلى المنازل، تهدم الأساسات، وتدمير الأراضي الزراعية.
• ميانة (مركز إهناسيا):
المياه غمرت الشوارع والمنازل، والجهات المحلية اكتفت بالتدخل لشفط المياه دون حل جذري.
• الدوالطة:
القرية تحولت إلى بحيرة من مياه المجاري، المنازل مهددة بالانهيار، والأهالي ينامون على رائحة الخوف والرطوبة.

الأسباب المتراكمة:
تأخر التنفيذ رغم الإعلان عن المشروعات.
ميزانيات محدودة مقارنة بالتكلفة المرتفعة لإنشاء محطات وشبكات.
طبيعة بعض الأراضي لا تُسهل إقامة شبكات صرف تقليدية.
ضعف في التشغيل والصيانة حتى في القرى التي بها بعض البنية التحتية.
الاستخدام العشوائي والربط غير القانوني في الترع أو الأراضي.
رابعًا: معاناة المواطنين اليومية
• صحيًا:
انتشار الأمراض المعوية، العدوى الجلدية، أمراض التنفس بسبب الروائح والرطوبة.
• ماديًا:
تآكل أساسات المنازل، تشققات، خسائر زراعية بسبب المياه المالحة المتسربة.
• نفسيًا:
خوف دائم، إحساس بالمهانة، فقدان الثقة في الاستجابة الرسمية.
بيانات المحافظة:
تقول محافظة بني سويف إنها تنفذ مشروعات ضمن مبادرة "حياة كريمة" تشمل 66 قرية، وأنها تمتلك حاليًا 113 محطة صرف وشبكات تمتد لأكثر من 1160 كم، بطاقة تشغيلية تبلغ 240 ألف م³ يوميًا.
لكن الأهالي يؤكدون أن التنفيذ بطيء، وأن ما يُعلن على الورق لا يُترجم إلى تحسن حقيقي في القرى الأكثر احتياجًا.
سادسًا: صوت الناس.. صرخة من تحت الأنقاض
«الحقونا.. بيوتنا هتقع»
«إحنا عايشين في مستنقع، ريحة، رطوبة، وبرودة بتهد حيطة البيت»
«الوعود كتير، لكن التنفيذ بيطول وبيتبخر»
هذه الشهادات ليست إلا عيّنة مما يعيشه الآلاف يوميًا في قرى بني سويف.
مقترحات عاجلة للحل:
إلزام الجهات بالتنفيذ وفق جداول زمنية واضحة ومعلنة.
تمويل طوارئ مخصص للقرى الغارقة بالصرف.
استخدام محطات معالجة مصغّرة للقرى الصغيرة أو النائية.
دمج المجتمع المحلي في أعمال الصيانة والمتابعة.
توفير آلية رقابية من المجتمع المدني لضمان التنفيذ السليم.
الربط بين مشاريع المياه، الكهرباء، والصرف لتسريع وتوفير التكلفة.
ختامًا هل سيظل الريف يئن؟
المأساة التي تعيشها قرى بني سويف ليست قضية مرافق فقط، بل قضية كرامة إنسانية. عندما تكون “المجاري” أقرب إلى الإنسان من مياه الشرب، يكون السؤال واجبًا: أين ذهب حق الريف في العدالة الاجتماعية؟