أخبار عاجلة

معدن الكولتان.. الذهب الأسود الذي يغذي الهواتف ويحرق الكونغو

معدن الكولتان.. الذهب الأسود الذي يغذي الهواتف ويحرق الكونغو
معدن الكولتان.. الذهب الأسود الذي يغذي الهواتف ويحرق الكونغو

في قلب الغابات المطيرة بجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تتشابك الأشجار وتتدفق الأنهار، يكمن سر من أسرار العصر التكنولوجي، وهو الكولتان، هذا المعدن النادر، الذي يطلق عليه "الذهب الأسود" لعالم التكنولوجيا، هو العصب الخفي وراء هواتفنا الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، وحتى الأسلحة المتطورة.

وبينما يعتمد العالم على الكونغو لتأمين 80% من إمدادات الكولتان العالمية، تروي غابات الشرق الكونغولي قصة مأساوية من الاستغلال، والصراعات، والمعاناة الإنسانية، فما الثمن الحقيقي لهذا المعدن الذي يغذي ثورة التكنولوجيا؟، هذا ما نستعرضه في هذا التقرير، من بانكير.

الكولتان جوهرة التكنولوجيا

والكولتان، وهو اختصار لمزيج معدني من الكولومبيت والتنتاليت، يستخرج منه التنتالوم، وهو عنصر أساسي في صناعة المكثفات الكهربائية المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية، حيث يتميز التنتالوم بقدرته على تحمل درجات الحرارة العالية ومقاومته للتآكل، مما يجعله مكونًا لا غنى عنه في الهواتف الذكية، أجهزة الألعاب، وحتى الأقمار الصناعية.

ووفقًا لوكالة رويترز، ينتج منجم رئيسي في شرق الكونغو حوالي 15% من الكولتان العالمي، مما يبرز الدور الحاسم لهذا البلد في سلسلة التوريد العالمية، ولكن هذا المعدن النفيس لا يستخرج بسهولة، ففي غابات الكونغو، يعمل آلاف العمال الفقراء، بما في ذلك أطفال، في ظروف قاسية لاستخراجه يدويًا.

ويتقاضى هؤلاء العمال أجورًا زهيدة، غالبًا لا تتجاوز بضعة دولارات يوميًا، بينما يواجهون مخاطر صحية وبيئية خطيرة، والأدوات البدائية، والانهيارات الأرضية، والتلوث الناتج عن عمليات التعدين غير المنظمة هي جزء من الواقع اليومي لهؤلاء العمال.

صراعات مسلحة وتمويل النزاعات

والكولتان ليس مجرد مورد اقتصادي، بل هو وقود للصراعات المسلحة في الكونغو، وشرق البلاد، حيث تتركز مناجم الكولتان، يعاني من نزاعات مستمرة بين الجماعات المسلحة والميليشيات التي تسيطر على هذه المناجم.

وهذه الجماعات تستغل عائدات الكولتان لتمويل عملياتها، مما يطيل أمد الحرب الأهلية ويعمق الفوضى في المنطقة، وهذه الدورة المفرغة من العنف تحولت إلى مأساة إنسانية، حيث يقتل الآلاف ويهجر الملايين بسبب الصراع على هذا المعدن.

والشركات العالمية، التي تعتمد على الكولتان في منتجاتها، تواجه ضغوطًا متزايدة لضمان أن تكون سلاسل التوريد الخاصة بها "خالية من النزاعات"، ولكن تتبع مصدر الكولتان يبقى تحديًا معقدًا بسبب الفساد، ضعف الحوكمة، وشبكات التهريب المنتشرة في المنطقة.

ونتيجة لذلك، يستمر تدفق "الكولتان الملوث" إلى الأسواق العالمية، مما يربط المستهلكين بشكل غير مباشر بهذه الأزمة.

596.jpg
خام الكولتان

المعاناة الإنسانية والبيئية

ووراء كل هاتف ذكي أو جهاز إلكتروني، هناك قصص إنسانية مؤلمة، والعمال في مناجم الكونغو، بما في ذلك الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات، يعملون في ظروف غير إنسانية، ويتعرضون للإصابات، الأمراض التنفسية الناتجة عن الغبار، وحتى الموت بسبب انهيار الأنفاق.

والأجور الضئيلة لا تكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية، مما يحبس العمال في دوامة الفقر، وعلى الصعيد البيئي، تتسبب عمليات التعدين غير المنظمة في تدمير الغابات المطيرة، وتلوث الأنهار، وتدهور النظم البيئية.

وهذا الدمار يهدد التنوع البيولوجي في واحدة من أكثر المناطق ثراءً بالحياة البرية في العالم، في حين أن المياه الملوثة بالمواد الكيميائية الناتجة عن التعدين تؤثر على المجتمعات المحلية التي تعتمد على هذه الموارد للشرب والزراعة.

تحديات عالمية ومسؤولية مشتركة

وفي مواجهة هذه الأزمة، بدأت بعض الشركات التكنولوجية الكبرى مثل "آبل" و"تسلا" في تبني سياسات تهدف إلى ضمان مصادر "نظيفة" للمعادن، ولكن هذه الجهود غالبًا ما تصطدم بعقبات لوجستية وسياسية.

وعلى سبيل المثال، شهادات "الكولتان الخالي من النزاعات" غالبًا ما تكون غير موثوقة بسبب الفساد المستشري في سلاسل التوريد.

ومن ناحية أخرى، هناك دعوات متزايدة من منظمات حقوق الإنسان لفرض قوانين دولية أكثر صرامة لتنظيم تجارة المعادن، وبعض المبادرات، مثل قانون "دود-فرانك" الأمريكي، حاولت معالجة هذه المشكلة من خلال إلزام الشركات بالكشف عن مصادر المعادن المستخدمة في منتجاتها.

ولكن هذه القوانين لم تكن كافية لوقف تدفق المعادن المرتبطة بالنزاعات.

والكولتان، الذي يعد شريان الحياة لصناعة التكنولوجيا، يحمل في طياته قصة مأساوية من الاستغلال والصراع، وبينما نستمتع بمزايا هواتفنا الذكية وأجهزتنا المتطورة، يدفع عمال الكونغو ومجتمعاتهم ثمنًا باهظًا.

ومعالجة هذه الأزمة تتطلب جهدًا عالميًا مشتركًا: من الشركات التي يجب أن تلتزم بسلاسل توريد أخلاقية، إلى المستهلكين الذين يمكنهم المطالبة بالشفافية، وصولاً إلى الحكومات التي ينبغي أن تفرض قوانين صارمة.

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مؤتمر دولي يناقش أحدث التطورات في أبحاث السرطان والعلوم الطبية الحيوية
التالى تفاصيل إصابة دونجا وموقفه من مباراة القمة