في دروب الغربة، حيث يبتعد الإنسان عن أهله ووطنه، يبقى الصديق هو السند والرفيق الذي يخفف وطأة الاغتراب، لكن حين يتحول هذا الرفيق إلى خنجر يغرس في الظهر، تصبح الغربة أكثر قسوة، وتتحول رحلة البحث عن لقمة العيش إلى مأساة يندى لها الجبين، ففي هذه القصة مأساة الحاج “ طارق أبو رواش” ليست مجرد جريمة عابرة، بل رسالة أليمة عن قسوة الغربة وغدر الصديق، الغربة التي ظنها بابًا للأمل، صارت قبرًا بعيدًا، وغدر الصديق الذي وثق به، صار خنجرًا أنهى حياته.

بداية الحكاية.. ورحلة البحث عن الرزق
طارق أبو رواش، خمسيني من قرية البرادعة بمركز القناطر الخيرية في محافظة القليوبية، كان معروفًا بين أبناء بلدته بطيبة قلبه وسمعته الحسنة، عمل جزارًا لسنوات طويلة، وقبل شهور قليلة زوّج ابنه، ثم حمل أمانيه وسافر إلى تركيا بحثًا عن رزق يعينه على مواجهة أعباء الحياة.
في هاتاي، بدأ طارق رحلة عمل شاقة، جمع فيها القروش بعرق جبينه، وفتح باب الخير لآخرين من أبناء بلدته، من بينهم الجاني الذي لم يكن يومًا يتوقع أن يتحول إلى قاتل.
غدر الصديق.. طعنات في الظلام
الجريمة وقعت على نحو صادم، إذ استغل زميله وصديقه لحظة غفوة، فانهال عليه طعنًا بسكين باردة، لينهي حياته في مشهد مأساوي. لم تشفع له موائد الطعام المشتركة ولا الأيام الطويلة تحت وطأة العمل، فكل ما كان يراه القاتل هو مبلغ 180 ألف ليرة تركية، حصيلة ستة أشهر من الكدح والشقاء، وتحولت رحلة العمل إلى ساحة دماء، وغابت الإنسانية أمام جشع قاتل لم يرحم رفيق غربته.

"البلد كلها حزينة عليه"
في قريته بالبرادعة، سقط الخبر كالصاعقة، يقول أحد جيرانه: "الحاج طارق من أنضف الناس، طول عمره محترم وطيب، لسه مجوز ابنه من 4 شهور، وسافر عشان يدور على لقمة عيشن اللي غدر بيه هو نفسه اللي سافر بفضله واشتغل معاه، لو كان يعرف قيمته ما كانش فكر يعمل كده".
القرية بأكملها تعيش حالة من الحزن الكبير، ستة أشقاء للفقيد، جميعهم معروفون بالصلاح والعمل الطيب، وجدوا أنفسهم فجأة أمام مأساة إنسانية لا تُصدق.

180 ألف ليرة.. ثمن الخيانة
القصة لم تكن مجرد جريمة قتل، بل صرخة في وجه الطمع والخيانة، مبلغ 180 ألف ليرة، هو السبب الذي جعل القاتل يمد يده الملطخة بالغدر إلى حياة صديقه، مبلغ لم يكن سوى عرق شهور طويلة وسهر أيام مريرة، تحول في لحظة إلى ثمن لروح إنسان.
العدالة تتحرك والجثمان في الطريق
السلطات التركية ألقت القبض على المتهم، بينما ينتظر أهل القرية وصول الجثمان بقلوب محروقة، الجميع يترقب لحظة وداع "الحاج طارق"، الذي سيرجع إلى أرضه محمولًا على الأعناق، بعدما رحل غريبًا في بلاد لم يكن يعرف عنها سوى أمل الرزق.