أخبار عاجلة

وثائق تكشف صدامات التسعينيات بين لندن وحبيب العادلي حول الإسلاميين

وثائق تكشف صدامات التسعينيات بين لندن وحبيب العادلي حول الإسلاميين
وثائق تكشف صدامات التسعينيات بين لندن وحبيب العادلي حول الإسلاميين

تكشف وثائق بريطانية أُفرج عنها مؤخرًا عن تفاصيل حساسة حول الخلافات التي اندلعت في منتصف التسعينيات بين مسؤولين أمنيين بريطانيين ونظرائهم المصريين، وفي مقدمتهم اللواء حبيب العادلي، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة آنذاك ووزير الداخلية المصري لاحقًا. هذه الوثائق تظهر كيف تحولت لندن إلى ساحة جدل مكتوم بشأن ملف المتشددين المصريين المقيمين على أراضيها، خاصة في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، حيث اتهمت القاهرة لندن بإيواء خصومها، بينما تمسكت الأخيرة بقوانينها الداخلية والتزاماتها الدولية. وقد وردت هذه المعلومات وفقًا لما نشره موقع ميدل إيست مونيتور اللندني.

 

الوثائق توضح أن مصر أصرت على المطالبة بتسليم شخصيات بارزة مثل هاني السباعي وياسر السري، ولكن بريطانيا، من جانبها، أكدت أنها لا تستطيع الاستجابة لمثل هذه المطالب دون وجود قرارات قضائية وأدلة دامغة، خصوصًا في ظل طلبات اللجوء السياسي التي قدمها هؤلاء. هذا التباين أبرز الفجوة بين النهج الأمني الصارم للقاهرة والنهج القانوني الذي تتمسك به لندن ربما من أجل توفير منصات مجانية لهولاء المتطرفين انطلاقا من أراضيها.

 

كما تكشف الوثائق عن مفارقة مثيرة؛ ففي الوقت الذي كانت فيه القاهرة توجه انتقادات علنية حادة إلى لندن، شارك اللواء العادلي في برامج تدريبية لمكافحة الإرهاب داخل بريطانيا، وحضر جلسات خاصة لفهم قواعد اللجوء السياسي البريطانية. هذه المشاركة أظهرت تناقضًا واضحًا بين الخطاب العلني والممارسة الفعلية، وأعطت المسؤولين البريطانيين مساحة لتفهم الموقف الرسمي للقاهرة وثقة في جدية الطرح المصري، ولكن ذلك لم يترجم إلى مساحة اتفاق على تسليم المطلوبين.

 

من جانب آخر، حاولت الخارجية البريطانية الموازنة بين طمأنة مصر وحماية تقاليدها القانونية. وأوصت تقاريرها بضرورة تشجيع القاهرة على توسيع دائرة المشاركة السياسية حتى لا يدفع استبعاد المعارضة المعتدلة مزيدًا من الشباب إلى التطرف. كما حذرت من أن الحملات الإعلامية المصرية ضد بريطانيا كانت تمنح دعاوى المتشددين صدى أكبر وتزيد من صعوبة اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم.

 

وتبرز الوثائق كيف ساد التوتر اجتماعات العادلي مع مسؤولي السفارة البريطانية. فقد أبدى تشككًا في قدرة لندن على مراقبة المتشددين المصريين، بينما أصر البريطانيون على أن أي تحرك يتطلب ملفات وأدلة دقيقة، وليس مجرد أسماء أو أرقام هواتف. هذه الفجوة في التعاطي مع الملف الأمني جعلت المفاوضات أكثر تعقيدًا، لكنها في الوقت ذاته دفعت الجانبين إلى الحفاظ على قنوات تواصل مفتوحة.

 

وأدت الأحداث الدامية مثل تفجير السفارة المصرية في إسلام أباد عام 1995 لتصاعد حدة الأزمة، إذ صعّد الرئيس مبارك من لهجته منتقدًا علنًا بريطانيا وألمانيا، ما أشعل موجة جديدة من الحملات الإعلامية. وردت لندن بتهدئة عبر رسائل من رئيس الوزراء في ذلك الوقت، جون ميجر إلى مبارك، أكد فيها حرص بلاده على التعاون الأمني، مع التشديد على أن المحاكم البريطانية لا تعتمد إلا على الأدلة القانونية.

 

النقاشات الداخلية في مقر رئاسة الوزراء البريطانية ووزارتي الخارجية والداخلية أجمعت على أربع ركائز أساسية: استمرار التعاون الأمني مع مصر، الالتزام الصارم بالقوانين البريطانية والدولية، اشتراط الأدلة الملموسة قبل أي إجراء، والتحذير من أن التصعيد الإعلامي المصري يضر أكثر مما يفيد. ومع مرور الوقت، تحسنت العلاقات الاستخباراتية تدريجيًا، خاصة بعد تمويل بريطانيا لبرامج تدريب لوزارة الداخلية المصرية بلغت قيمتها نحو 250 ألف جنيه إسترليني.

 

وفي مطلع عام 1997، اعترف جون ميجر بأن زيارة العادلي إلى لندن ساعدت في تحسين التعاون، لكنه شدد في رسائله لمبارك أن الإعلام لا يمكن أن يحل محل الأدلة في المحاكم. هذه الرسائل تلخص المعضلة الكبرى في العلاقات الثنائية آنذاك: التوفيق بين مقتضيات الأمن من منظور القاهرة ومتطلبات القانون من منظور لندن.

 

وتكشف الوثائق أن جذور الخلافات القائمة حتى اليوم حول ملف المعارضين والمنفيين ليست طارئة، بل ممتدة عبر عقود. ففي جوهرها، تعكس الفجوة العميقة بين منهجية أمنية مصرية تعتبر الإسلاميين تهديدًا وجوديًا، ومنهجية بريطانية ترى أن حقوق الأفراد لا يمكن تجاوزها دون مسوغ قضائي ولا تكتفي بالانتماء إلى التنظيمات المتطرفة. وبهذا، تظل هذه الأزمة مرآة لتاريخ طويل من التوتر الذي ما زال يلقي بظلاله على العلاقات بين البلدين حتى الآن.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مؤتمر دولي يناقش أحدث التطورات في أبحاث السرطان والعلوم الطبية الحيوية
التالى تفاصيل إصابة دونجا وموقفه من مباراة القمة