في إطار دعم رؤية السعودية 2030 لتعزيز مكانة المملكة كمركز اقتصادي عالمي، تُبرز مبادرة مستقبل الاستثمار السعودية كأحد أبرز الأدوات لتحقيق هذه الطموحات. هذه المبادرة، التي يُطلق عليها اسم "دافوس الصحراء"، تجمع قادة العالم من رجال الأعمال وصناع السياسات والمستثمرين لبحث فرص النمو والابتكار وتشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي. وفي خطوة جديدة تعكس اتساع نطاقها، تستعد المبادرة لتنظيم "قمة الأولوية - آسيا" في طوكيو خلال نوفمبر المقبل، مما يعمق الروابط الاستثمارية بين المملكة والدول الآسيوية ويدعم جهود تنويع الاقتصاد السعودي.
توسع عالمي: من الرياض إلى طوكيو
أعلن معهد مبادرة مستقبل الاستثمار عن عقد "قمة الأولوية - آسيا" في العاصمة اليابانية طوكيو خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 1 ديسمبر 2025. هذه الخطوة تمثل انعقاد ثاني فعالية للمعهد في آسيا، وتأتي بعد شهر واحد من انعقاد الدورة الأساسية للمنتدى في الرياض. يشارك في هذه القمة مسؤولون سعوديون ويابانيون، بالإضافة إلى ممثلين عن صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يبلغ حجم أصوله تريليون دولار. كما تضم قائمة المشاركين شركات مالية عملاقة مثل "ميتسوبيشي يو إف جيه" و"سوميتومو ميتسوي المالية" .
يهدف هذا التوسع إلى تعزيز الشراكات الاستثمارية بين السعودية والمؤسسات المالية الآسيوية، لا سيما في ظل سعي المملكة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول الآسيوية لدعم خطط تنويع الاقتصاد المحلي. وقد شهدت النسخة السابقة من المنتدى توقيع اتفاقيات استثمارية ضخمة بين الصندوق السعودي ومؤسسات يابانية بلغت قيمتها نحو 51 مليار دولار، بما في ذلك إطلاق أول صندوق ياباني للمؤشرات المتداولة يتتبع الأسهم السعودية .
دور المبادرة في تحقيق رؤية 2030
تمثل مبادرة مستقبل الاستثمار إحدى الركائز الرئيسية لتحقيق أهداف رؤية 2030، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وبناء اقتصاد قائم على المعرفة والاستثمارات المستدامة. تأسست المبادرة في عام 2017 كحدث سنوي يديره صندوق الاستثمارات العامة، ثم تحولت في عام 2019 إلى مؤسسة أهلية غير ربحية بموجب مرسوم ملكي، لتعزيز مهمتها في جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز مكانة المملكة كمركز استثماري عالمي .
تركز المبادرة على مناقشة قضايا استثمارية متنوعة، مثل:
- دور الاستثمار في تحفيز النمو الاقتصادي.
- تعزيز الابتكار والتقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.
- مواجهة التحديات العالمية عبر الشراكات الدولية.
وقد نجحت المبادرة في جذب شخصيات عالمية بارزة، مثل لاري فينك من "بلاك روك" وديفيد سولومون من "غولدمان ساكس"، بالإضافة إلى قادة دول وحكومات .
إنجازات ملموسة وتعاون آسيوي متزايد
حققت مبادرة مستقبل الاستثمار تأثيراً ملموساً على الاقتصاد السعودي، حيث ساهمت في جذب استثمارات أجنبية مباشرة وتعزيز التعاون مع مؤسسات مالية عالمية. على سبيل المثال، لعبت البنوك الآسيوية دوراً متزايداً في تمويل المشاريع السعودية، حيث دعمت بنوك مثل "ميتسوبيشي" و"سوميتومو" حزمة تمويلية بقيمة 10 مليارات دولار لاستثمارات "بلاك روك" في البنية التحتية للغاز التابعة لـ "أرامكو السعودية" .
كما تظهر البيانات الاقتصادية أن رؤية 2030 حققت تقدماً ملحوظاً في مؤشراتها، حيث وصلت الإيرادات غير النفطية إلى 502.5 مليار ريال، ووصلت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي إلى 47% . وقد نمت أصول صندوق الاستثمارات العامة بنسبة 400% منذ إطلاق الرؤية، لتفوق 3.5 تريليون ريال .
استراتيجية ذات بعد عالمي
لا تقتصر مبادرة مستقبل الاستثمار على الحدود السعودية، بل تمتد إلى آسيا وأمريكا والعالم. فقد نظم المعهد مؤتمراً في ميامي مطلع هذا العام، شارك فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كأبرز المتحدثين . كما تعقد المبادرة فعالياتها في مدن مثل لندن، مما يعكس سعياً لتعزيز الحوار العالمي حول الاستثمار والاقتصاد المستقبلي .
تهدف هذه الاستراتيجية إلى وضع السعودية في قلب الخريطة الاستثمارية العالمية، وجعلها جسراً يربط بين آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. وهذا يتوافق تماماً مع أهداف رؤية 2030 في تعزيز مكانة المملكة كوجهة للحياة والعمل والاستثمار .
خاتمة
تمثل مبادرة مستقبل الاستثمار في السعودية نموذجاً ناجحاً للتحول الاقتصادي الطموح، إذ تعكس مكانة المملكة كلاعب رئيسي في تشكيل اقتصادات المستقبل. ومن خلال تعزيز الشراكات الدولية وجذب الاستثمارات الأجنبية، تسهم هذه المبادرة في دعم تحقيق مستهدفات رؤية 2030 الرامية إلى بناء اقتصاد مزدهر، ومجتمع حيوي، ووطن طموح. ومع استمرار توسع المبادرة عالمياً، خاصة في قارة آسيا، تؤكد السعودية قدرتها على لعب دور محوري في الاقتصاد العالمي المستقبلي.
