يتحول ملف الإفراج الجمركي في مصر من عقبة بيروقراطية لطالما عطلت حركة التجارة إلى رافعة اقتصادية تمثل إحدى أهم أدوات الإصلاح اللوجستي، فلم يعد الأمر مجرد إجراءات تقليدية بين الموانئ والمخازن، بل أصبح مؤشرًا على سرعة الاقتصاد وكفاءته، ومقياسًا لقدرته على المنافسة في الأسواق العالمية.
ومع اقتراب نهاية عام 2025، تدخل مصر مرحلة جديدة، أعلنت فيها عن خطتها لتقليل زمن الإفراج الجمركي إلى يومين فقط قبل نهاية العام الجاري، حيث يمثل خفض زمن الإفراج الجمركي نقلة نوعية من خانة التحديات التي كبلت حركة التجارة لعقود طويلة، إلى مساحة الفرص التي تفتح أبواب الاستثمار والصادرات وتضع البلاد على أعتاب مرحلة جديدة من النمو المستدام.
لماذا يمثل زمن الإفراج الجمركي عائقا؟
زمن الإفراج الجمركي هو الفترة الزمنية الفاصلة بين لحظة وصول الشحنات إلى الموانئ وحتى دخولها الأسواق بعد المرور بإجراءات الفحص، والتصاريح، والسداد الإلكتروني، وهذه الفترة كانت تمتد في مصر حتى 16 يوما، وهو رقم مثقل بتكاليف إضافية على المستوردين والتجار، سواء في رسوم التخزين أو الغرامات أو تعطيل الإنتاج.
هذا الوضع أضعف تنافسية السوق المصرية وأفقدها فرصا في التجارة الإقليمية والدولية، ومع ذلك، استطاعت الدولة خلال السنوات الأخيرة تقليص هذا الزمن إلى 5.8 أيام فقط، ما وفر للاقتصاد نحو 1.2 مليار دولار، وفق تصريحات وزير الاستثمار حسن الخطيب، والذي أكد أن هذا الإنجاز لم يكن مجرد تحرك داخلي، بل جاء أيضا استجابة للإلتزامات الدولية وأبرزها متطلبات منظمة التجارة العالمية وتوجهات الاقتصاد الرقمي العالمي.
الهدف من تقليل زمن الإفراج الجمركي
تتسارع وتيرة الإصلاحات مع اقتراب نهاية 2025، حيث وضعت الحكومة هدفا واضحا بخفض زمن الإفراج الجمركي إلى يومي عمل فقط، وفق ما أكده الدكتور سامي رمضان، نائب رئيس مصلحة الجمارك، واصفا الخطوة بأنها "حجر الزاوية في تطوير المنظومة".
وفي السياق ذاته، رفع وزير الاستثمار فقد سقف الطموحات إلى ساعات معدودة، مشيرًا إلى نجاح ملموس بتحقيق خفض بنسبة 75% بالفعل، مشيرا إلى أن هذه الأهداف ليست أرقامًا دعائية، بل جزء من رؤية مصر 2030 التي
تهدف إلى تعزيز موقع البلاد كمركز لوجستي وتجاري عالمي، بما يرفع الصادرات بنسبة تصل إلى 20% ويعزز انسيابية حركة التجارة في قطاعات حيوية مثل المنسوجات والصناعات الغذائية.
الإفراج عن بضائع بضائع بـ 27.2 مليار دولار في 6 أشهر
التحول لم يكن ممكنا لولا تبني الدولة حزمة من الإجراءات الجريئة بلغ عددها 29 إجراءً بالشراكة مع وزارة المالية، شملت تبسيط نظم الدفع الإلكتروني وتقليل الغرامات على التأخيرات، ولعل أبرز ما تحقق هو إطلاق منظومة "النافذة الواحدة" التي جمعت 27 جهة حكومية على منصة إلكترونية واحدة، ما اختصر التعاملات من أيام إلى دقائق.
كذلك دخل الذكاء الاصطناعي في صميم العمل الجمركي، حيث أسهم في تقليص الفحص اليدوي بنسبة 50% عبر أنظمة استشراف المخاطر، وهذه المنظومة الرقمية انعكست عمليا على الأرض، إذ أُفرج خلال النصف الأول من 2025 عن بضائع بقيمة 27.2 مليار دولار، معظمها مواد خام إنتاجية دعمت سلاسل التوريد والصناعة المحلية.
تأثير خفض زمن الإفراج الجمركي على التضخم
انعكاس هذه الإصلاحات تجاوز الموانئ ليصل إلى جيب المواطن وسوق الاستثمار، فقد انخفضت تكاليف النقل والتخزين والخدمات اللوجستية بنسبة 30%، ما ساهم في الحد من التضخم وتخفيف الضغط على أسعار السلع الاستهلاكية.
وعلى مستوى التصدير، ارتفع حجم الصادرات إلى 6.8 مليار دولار في النصف الأول من 2025، في إشارة واضحة إلى استعادة المنتج المصري قدرته التنافسية في الأسواق العالمية، كذلك، شكّل تسريع الإفراج الجمركي عامل جذب إضافيًا للاستثمارات الأجنبية، خاصة في المناطق الصناعية، بما يعزز فرص النمو والتشغيل.
ورغم استمرار بعض التحديات المرتبطة بتطوير البنية التحتية للموانئ والتغلب على رواسب البيروقراطية، إلا أن خبراء الاقتصاد يرون أن الاتجاه العام يضع مصر على طريق التحول إلى مركز لوجستي ينافس النماذج العالمية الرائدة في هذا المجال.
مستقبل تجاري أكثر سرعة وكفاءة
خفض زمن الإفراج الجمركي في مصر لم يعد مجرد إنجاز إجرائي، بل يمثل تحولًا استراتيجيا يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص ويعزز ثقة المستثمرين في الاقتصاد، ومع اقتراب نهاية 2025، يصبح السؤال الأهم: هل تستطيع مصر ترجمة هذه الإصلاحات إلى قصة نجاح دولية تحتذى عالميا؟.
المؤشرات الحالية تؤكد أن الاستمرارية في الإصلاح والاعتماد على الحلول الرقمية كفيلان بتحويل هذا الطموح إلى واقع، في عالم يقاس بالسرعة والدقة، ويصبح الإفراج الجمركي السريع ليس خيارا، بل ضرورة لمستقبل اقتصادي قادر على المنافسة والازدهار.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
