تعيش أسواق اللحوم في مصر حالة من التناقض الواضح خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، فبينما هبطت أسعار المواشي الحية بأكثر من 18%، لتسجل أدنى مستوياتها منذ أشهر، ما زالت أسعار اللحوم في محلات التجزئة ثابتة عند معدلات مرتفعة تتراوح بين 400 و500 جنيه للكيلو، بحسب المنطقة.
هذه الأرقام تعكس منظومة أوسع من التكاليف والمشكلات الهيكلية التي دفعت بالسوق إلى حالة من الارتباك، وهذا التباين بين انخفاض التكلفة وثبات السعر يطرح تساؤلات حول آليات التسعير ومدى كفاءة السوق في نقل الانخفاض إلى المستهلك، فلما لا تنخفض أسعار اللحوم بالرغم من تراجع أسعار المواشي في الأسواق.
انخفاض أسعار الأعلاف
أحد أبرز المؤشرات على تراجع التكلفة يتمثل في أسعار الأعلاف، التي هبطت مؤخرًا إلى نحو 19 ألف جنيه للطن مقارنة بـ25 ألفًا العام الماضي، ورغم هذا التراجع الكبير، لم تتراجع أسعار اللحوم النهائية.
ويُرجع مربو المواشي ذلك إلى تحميل المستهلك أعباء إضافية تشمل تكاليف الفاقد والهالك، وارتفاع فواتير الكهرباء، فضلا عن مصروفات النقل والتبريد، ما يضعف تأثير أي انخفاض في تكاليف الإنتاج على الأسعار المعروضة بالأسواق.

ما هو السعر العادل لبيع اللحوم في محلات الجزارة؟
وفي هذا السياق، أكد مربو المواشي، أن الأسعار القائم شهدت هبوطا ملموسا، إذ انخفض سعر الكيلو الحي من مستويات تراوحت بين 185 و195 جنيها في موسم عيد الأضحى الماضي، إلى ما بين 140 و155 جنيهًا للكيلو حاليًا.
وبحسب تقديراتهم، فإن المنطقي أن ينعكس هذا الانخفاض على أسعار البيع للمستهلك، بحيث لا يتجاوز الكيلو 320 جنيها على أقصى تقدير، أي بما يعادل مرة ونصف سعر الكيلو القائم، غير أن السوق يسجل مستويات أعلى بكثير من ذلك، ما يعكس فجوة واضحة بين المعروض والتسعير النهائي.
هذه المفارقة بين انخفاض مدخلات الإنتاج وثبات أسعار البيع تضع المستهلك أمام معادلة صعبة، إذ لا يلمس المواطن أي انعكاس مباشر لتحسن أوضاع السوق على قدرته الشرائية، كما تعكس هذه الفجوة تحديات أعمق ترتبط بآليات الرقابة على الأسواق، وقدرة حلقات التداول الوسيطة على فرض هوامش ربح مرتفعة دون رقابة فعالة.

القصابين: النقل والهالك والعمالة والكهرباء سبب ارتفاع الأسعار
ومن جانبه، أكد هيثم عبدالباسط، رئيس شعبة القصابين باتحاد الغرف التجارية، أن الجزارين يشترون الكيلو بعد الذبح والتصافي من المجازر بسعر يقارب 310 جنيهات، لكن هذه القيمة لا تمثل سوى نقطة البداية، إذ تضاف إليها نفقات متعددة تشمل الكهرباء والنقل والعمالة والهالك، لتصل في النهاية إلى المستهلك بأسعار تفوق 400 جنيه.
وأرجع عبدالباسط، في تصريحات للعربية بزنس، جانبا كبيرا من ارتفاع الأسعار إلى التراجع الحاد في نسب التصافي للماشية البلدية بعد الذبح، والتي هبطت خلال العقود الأخيرة إلى حدود 50–55% فقط، مقارنة بـ60–65% في سبعينيات القرن الماضي.
ويرى أن السبب الرئيسي يكمن في التحول إلى أعلاف مستوردة من الذرة والصويا، التي لا تناسب السلالة المحلية بنفس كفاءة بذرة القطن والفول البلدي التي اعتمد عليها المربون قديمًا، وهذا التغير انعكس مباشرة على كفاءة التحويل الغذائي، وبالتالي على حجم المعروض من اللحوم.

انخفاض الطلب 70% على شراء اللحوم
وأكد عبدالباسط أن السوق شهد خلال السنوات الأخيرة تراجعًا في الطلب قد يصل إلى 70% نتيجة الضغوط المعيشية، بالتزامن مع انخفاض المعروض، ما خلق وضعا غير متوازن أبقى الأسعار مرتفعة رغم تراجع الاستهلاك.
وحذر عبدالباسط من انتشار ممارسات غير شرعية في بعض الأقاليم، حيث تطرح لحوم بلدية بأسعار منخفضة تصل إلى 300 جنيه للكيلو، موضحا أن هذه اللحوم غالبا ما تأتي من ماشية مصابة أو نافقة جرى الحصول عليها بطرق غير قانونية، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا لصحة المستهلكين، فضلا عن كونه عاملا مشوها لسوق اللحوم الرسمية.
ومما لا شك فيه، يظل المستهلك هو الحلقة الأضعف في المعادلة، فإن ضبط السوق يتطلب مواجهة الممارسات غير القانونية ودعم منظومة الإنتاج بما يعيد التوازن بين التكلفة والسعر النهائي.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.