شهدت مدينة نيبورج الدنماركية، ذات الرمزية التاريخية لحركة الإصلاح ومكان انطلاق جهود "مؤتمر الكنائس الأوروبية" للسلام عام 1959، انعقاد اجتماع موسع لمجالس الكنائس الوطنية في أوروبا وأعضاء المؤتمر، حيث نظم مؤتمر الكنائس الأوروبية بالتعاون مع المجلس الوطني للكنائس في الدنمارك، وتركزت أعماله على مفهوم "المواطنة المسيحية" ودور الكنائس في المشاركة بالحياة العامة في ظل التحولات السياسية والمخاوف الأمنية المتجددة، مع استمرار الدعوة إلى السلام في القارة.
جلسات افتتاحية ومداخلات
افتُتحت أعمال المؤتمر بالصلاة وكلمة ترحيب من القس فرانك-ديتر فيشباخ، الأمين العام لمؤتمر الكنائس الأوروبية، والدكتور إيميل هيلتون ساغاو، الأمين العام لمجلس الكنائس في الدنمارك. كما عُرضت رؤية المؤتمر ودوره في فترات الصراع والتعاون، إلى جانب برامجه العملية.
المواطنة المسيحية: مشاركة ومسؤولية
أكد المشاركون أن "المواطنة المسيحية" تعني انخراطًا مسؤولًا في المجتمع قائمًا على قيم الإنجيل، مع دعوة المسيحيين لتحمل المسؤولية تجاه الآخرين، وصون الكرامة الإنسانية، وبناء قدرة المجتمعات على الصمود خاصة في أوقات الأزمات. وشددوا على أن مفهوم المواطنة ليس مجرد فكرة مجردة، بل يتأثر بالظروف الجيوسياسية الراهنة.
الحرب الأوكرانية مثال بارز
ناقش المؤتمر التباين في المواقف الكنسية تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث عبّر البعض عن دعمهم للقيم الديمقراطية والدعوة إلى "السلام العادل"، بينما تبنى آخرون مفهوم "الحرب العادلة". وأوضح المشاركون أن هذا التنوع يعكس الحاجة إلى تمييز أخلاقي وتحليل سياقي من أجل شهادة مسيحية أصيلة.
أصوات من مناطق نزاع أخرى
كما عرض ممثلون من أرمينيا وجورجيا وإستونيا وأيرلندا تحديات الكنائس في مناطق الصراع أو التوتر، حيث يظل دورها أساسيًا في بناء السلام والمصالحة والوحدة.
تحديات متزايدة أمام الكنائس
القس فرانك-ديتر فيشباخ أوضح أن "الكنائس تواجه تحديات تراجع التدين وتضييق المساحة العامة للدين"، مؤكدًا أن "المواطنة المسيحية تعني الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية المعتقد، وتطوير لاهوت عام يُسمع صوت الكنيسة، والمساهمة في بناء أوروبا كمشروع سلام".
من جانبها، قالت كاترينا بيكريدو، مسؤولة برنامج اللاهوت والدراسات في مؤتمر الكنائس الأوروبية: "المواطنة المسيحية لا تقتصر على الانتماء الوطني، بل هي مسؤولية نحو الخير العام. وفي زمن الاستقطاب وتبدل القيم، على الكنائس أن تقاوم توظيف الدين سياسيًا، وأن تُترجم الإنجيل إلى عمل يعزز العدالة والسلام والكرامة الإنسانية".
محاور النقاش
تطرقت الجلسات إلى عدة موضوعات، منها:
العلاقة بين الهوية المسيحية والانتماء الوطني.
المواطنة المسيحية في أوروبا.
دور الكنائس في دول مرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي.
التعاون الدفاعي الأوروبي والدعوة إلى السلام.
كما ناقش المشاركون قضايا مثل القومية والوحدة، إساءة استخدام الدين في السياسة، والتساؤلات الأخلاقية المرتبطة بالتسلح والسياسات الدفاعية.
ختام اللقاء
اختُتمت الاجتماعات بحوار مفتوح حول الخطوات المقبلة، حيث جرى استعراض المبادرات القائمة بالفعل في الكنائس والمجالس الوطنية، وتحديد مجالات للعمل المشترك في مجالات المناصرة والحوار والتفكير اللاهوتي.
وشارك في اللقاء عدد من الشخصيات الكنسية والأكاديمية، من بينهم: القس الدكتورة صوفيا كامنين، المطران داماسكينوس أولكينوارا، القس الدكتور ماريو فيشر، القس الدكتورة كارين كامبل، والدكتورة تاتيانا كالينيتشينكو، وغيرهم من القيادات الروحية.
وقد أكد اللقاء في نيبورغ على أهمية مواصلة التعاون والعمل المسكوني، وتجديد مفهوم المواطنة المسيحية في أوروبا عبر التعلم المشترك والمشاركة في الحياة العامة والالتزام المستمر بالسلام.