أهلا بكم.. لا أعرف ما هو الداعي للترحيب!.. فمنذ زمن بعيد لم يتغير بيننا شيء.. لم يأت رأي ولم يغادر رأي.. لم نفتح النوافذ بل زدناها سياجًا خشية أن يحمل الهواء إلينا فكرة جديدة.. إذًا، لا غرابة أن نلوك الأحاديث نفسها ونعيد حكايات الأمس نفسها.. لا لشيء إلا لإلهاء الملل حتى لا يغادر هو الآخر.. فلم يعد لدينا شيء نتباهى به الآن سوى أن لدينا مللًا.. فما بالكم لو مل الملل وغادرنا.. طامة كبرى ستقع ولم تحدث من قبل لا ثقافة ولا ملل.. حينها لا ندري ماذا سيكون العمل؟.
قال لي بعض الأصدقاء إن هناك "خناقة" على "الكفن".. قلت: والميت؟.. قالوا: يتولاه الله.
بعد عشر سنوات من إلقاء فكرة وجدت رفضًا قاطعًا، عاد وزير الثقافة ليطرحها من جديد "تغيير مسمى المسرح التجريبي".. لماذا؟.. ولم؟ لا إجابة.. نحن لسنا ضد تغيير الأسماء فلكم من "هاني" بات "وليد".. لكن إذا كان الاسم والهوية مرتبطين فلا يجوز التغيير.. والمسرح التجريبي ليس اسمًا أو لافتة ولكنه عنوان ومتن وأرواح شكلت تاريخًا لا يمكن طيه أو التجرؤ حتى على المساس بحروفه.
وإني قد رأيت فيما رأيت من جدل ومناقشات استدعاء اسم وزير الثقافة السابق فاروق حسني حتى لا يهال الركام على ما فعله.. فقد أطلقه "حسني" عام 1988 وتحقق معه الهدف المنشود فى أن يحجز لنفسه مكانًا وسط المهرجانات العالمية، ثم جاء الدكتور عماد ابو غازي وأوقف نشاطه من 2011 لظروف التمويل حتى جاء الدكتور جابر عصفور في 2014 وأعاده بعد إضافة كلمة "المعاصر" للعنوان.
تذكرت حكمة رجل عجوز في قريتي كان قد أنشأ سبيل ماء للعابرين، "قلل فخار بها ماء" فعبث بها بعض الصغار.. فاستدعاه الناس ليدافع عن "سبيله*، فقال "من شرب منها أولى بالدفاع عنها"، وحسنًا ما قرأت من ردود أفعال المسرحيين.. فسلامٌ ورحمة على حكيم القرية وعلى الراحل الدكتور فوزي فهمي أحد مؤسسي مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، الذي ظل رئيسًا للمهرجان لمدة عشرين دورة تقريبًا، وأصبح المهرجان في عهده أهم مهرجان، لأنه غيَّر زمن الخريطة المسرحية في الوطن العربي سواء من خلال عروضه المسرحية أو مكتبته التي ترجمت أمهات الكتب المسرحية من مختلف دول العالم، ولم يفكر يومًا في تغيير اسمه.
شئ آخر لا أستطيع فهمه، هل يليق أن تُطرح فكرة كهذه في احتفال عام على مرأى ومسمع الجميع، ونحن في زمن يتحدث عن آليات صناعة القرار.. أي أن يتم عقد جلسات حوار ومناقشة مع مختصين لمناقشة أي فكرة أيًا ما كانت والوقوف على جميع الآراء واستخلاص النتائج.. أم أن الأمر كان المقصود به نوعًا من الإلهاء لصرف العقول عن مشاكل أكبر تعج بها وزارة الثقافة؟.. أو امتداد لنهج التغيير لا لشئ سوى إحداث تغيير ولو كان شكليًا واستمرار في خداع الجمهور بلعبة "الكراسي" وجذب محركات البحث تجاه الوزير.
يا سيادة الوزير نحن لسنا ضدك ولا ضد أي مسؤول.. لكن أين الفكرة لنكون معها؟.. أين السبيل الذي أنشأته ونحن سنكون أول المدافعين عنه؟.. أي إنتاج ثقافي وإبداعي تم؟، أشر إلينا عليه وسنكون أول الملتفين حوله!.. لكن ما دمنا سندور في الدائرة نفسها فسنظل ككاميرات الطريق نسجل المخالفة كتحذير لعدم التكرار.. وأنت على المقود وصاحب القرار ومن سيدفع ثمنها للتاريخ.
يا سيادة الوزير.. أنا لست سوى واحدٍ من كثيرين جل ما يفعله في الحياة أن يقرأ ليتعلم وضع الحروف في مكانها.. فقير يتباهى بإرثه الثقافي وبهامات كانت لوطنه.. يفرح إذا ما أخذ موهوب فرصة.. وإذا ما أخذ ذو علم قدره.. ويحزن إذا ما دهست أرجل المحاباة أعناق الكفاءة.. وإذا ما استبد مسؤول بقرار.. أصحاب الدار أدرى الناس بها وللضيف حق الضيافة لا حرية التصرف إلا وفقًا لأعرافها.. ولا خاب من استشار.
نحن لسنا على حلبة مصارعة.. وللكتاب سطور من مدد ومداد وعرق وحيوات بشر تقبل الإضافة لا المحو.. والاستزدادة لا التقليل.
ويبقى أن أقول للوزير أنني ما زلت لا أجد إجابة عن تساؤلاتي، والحقيقة أن عدم الإجابة هي إجابة، فعلى سبيل المثال سكوت الدكتور خالد أبو الليل على الطعن في قلمه وشرف كلمته وعدم الزود عن مداده "ذنب لا يغتفر"، فبعد حين من الزمن ستبحث الأجيال فتجد المكتوب عنه، ولن تجد له ردًا أو إجابة وستضعه في خانة "المدان"، ثم ستجد أن الوزير أتى بمن لا يدافع عن كتابه وكتابته ووضعه رئيسًا للهيئة العامة للكتاب!.
"هنا وفي هذا الموضع لا بد للحكيم أن يدافع هو عن سبيله لأنه مازال في طور التكوين".