مصطفى عوض لـ"البوابة نيوز": «حورس» على بوستر المسرح التجريبى يكشف عن رسالة النصر والهوية.. والذكاء الاصطناعى أداة تثري الإبداع بإشراف العقل البشري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

وراء كل بوستر قصة، وخلف تصميم الدورة 32 لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى التى أقيمت في الفترة من 1 حتى 8 سبتمبر الجاري، تكمن رؤية فنية طموحة، لماذا اختير «حورس» رمزا لهذه الدورة؟ وكيف تترجم الألوان والصورة رسالة المهرجان التجريبى فى كسر القواعد؟

الذكاء الاصطناعي فى تشكيل مستقبل الإبداع المسرحى

التقت «البوابة نيوز» الفنان والمصمم مصطفى عوض بوزارة الثقافة، ليتحدث عن فلسفة التصميم، وتوظيف الرمز التاريخى بلغة بصرية معاصرة، والجدل حول دور التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي فى تشكيل مستقبل الإبداع المسرحى، إلى نص الحوار...

*من أين جاءت فكرة تصميم بوستر الدورة 32؟

- بكل دورة، يعقد اجتماع أولي مع الدكتور سامح مهران، يتم خلاله عرض فكرة الدورة وتيمتها الرئيسية التى تعبر عن محتواها البصرى والرمزى، هذا العام، وبناء على اقتراح الدكتور سامح، تم التركيز على تأكيد الهوية المصرية وتعزيز رسالتها للعالم، حيث وجهت الأنظار نحو رمز «حورس» الذى يمثل النصر وقوة مصر عبر العصور، ويرمز اختيار حورس إلى انتصار الخير على الشر، ويعكس رسالة بأن مصر قوية وراسخة، خاصة فى ظل الأحداث الجارية بالمنطقة، وقد أوضح الدكتور سامح خلال المؤتمر الصحفى أن هذا الاختيار يؤكد على قوة مصر ودورها الراسخ، ويبعث برسالة أمل وتضامن فى الوقت الراهن.

*لماذا حرصت على إبراز المسرح فى خلفية التصميم؟

- ابتعد العمل عن استخدام الدلالات المباشرة، واعتمد على الرموز المسرحية التقليدية كالستارة والقناع «الماسك» لتقديم فكرته، حيث مثل مشهد استطلاع حورس لجمهور المسرح إيحاء قويا بفكرة استخدام المسرح كخلفية أساسية للمعنى.

*لماذا يكسو البوستر استخدام الألوان الساخنة؟

- فى التصميم وعلم الألوان، تستخدم الألوان الساخنة مثل الأحمر والبرتقالى والأصفر لجذب الانتباه وتحذير المشاهد، وغالبا ما ترى فى علامات التجارية الكبرى مثل «كاتربيلر» للمعدات الثقيلة، حيث تختار الألوان البرتقالية أو الصفراء لتنبيه المستخدمين إلى مناطق الخطر أو الاهتمام.
كمصمم، أميل شخصيا إلى استخدام الألوان الجاذبة للانتباه فى أعمالى، لأنها تعزز التواصل البصرى وتلفت الانتباه بشكل فعال، ومع ذلك فإن اختيار الألوان يعتمد على سياق التصميم؛ ففي المشاريع الهادئة أو الساحلية مثلا، يفضل استخدام درجات الأزرق والأخضر الهادئة لتتناسب مع طبيعة المحتوى أو البيئة، وباختصار استخدام الألوان الملفتة يكون محمودا عندما يتناسب مع الهدف والرسالة المراد توصيلها.

*هل تم استخدام تقنية الذكاء الاصطناعى فى تصميم البوستر؟ ولماذا؟

- منذ العام الماضى وأنا جاهد على توظيف التقنيات الحديثة فى التصميم، وللأسف ما زلنا متأخرين جدا في استخدام الذكاء الاصطناعى مقارنة بدول العالم بثلاث أو أربع سنوات على الأقل.
الأمر كله يبدأ بالفكرة، فإذا كانت قوية، أي أداة من التنفيذ اليدوى إلى الذكاء الاصطناعى ستنتج عملا مميزا، فالذكاء الاصطناعى أداة فعالة توفر الوقت وتحسن النتائج، لكنه ليس بديلا عن الإبداع البشرى.
وللأسف بعض التجارب السلبية فى استخدام هذه التقنية أحدثت جدلا كبيرا، لكن المشكلة فى الأداة نفسها، بل فى سوء توظيفها.
أنا فخور بأننى كنت من أوائل من استخدموا الذكاء الاصطناعى فى تصميم دعايات وزارة الثقافة السنة الماضية، وكانت النتائج مشجعة، فلماذا لا نستمر فى استكشاف هذه المساحة الخصبة التى تثرى إبداعنا وتجعل العالم ينظر إلى إنتاجنا الفنى؟

*ماهي المدة المستخدمة للانتهاء من تصميم البوستر؟

- التصميم ليس له وقت محدد؛ فقد ينجز في دقائق، أو يستغرق أياما أو أسابيع، وقد لا يرى النور أبدا، الأمر يعتمد في الأساس على حرفية المصمم وخبرته، لكني أؤكد دائما أن الفكرة هى الأساس.
ما دامت الفكرة موجودة وقوية، يمكن تنفيذها بأى وسيط سواء بالرسم اليدوى أو باستخدام أحدث الأدوات التكنولوجية، فنحن كمصممين وخاصة خريجى الفنون التطبيقية لسنا مضطرين لأن نكون رسامين متميزين، بل المهم أن نمتلك أدوات تحويل الأفكار إلى واقع، فالذكاء الاصطناعى والتقنيات الحديثة أصبحت وسائل مساعدة تتيح لنا تنفيذ رؤيتنا دون قيود، فإذا وجدت الفكرة، فقد اكتمل جوهر التصميم، بغض النظر عن الأداة المستخدمة فى التنفيذ.

*لماذا لا يقام معرض خاص بالمهرجان يستعرض بوسترات المهرجان على مدار دوراته السابقة بالإضافة إلى صور العروض المشاركة والفائزة خلال دوراته السابقة؟

- هناك مشكلة حقيقية بوزارة الثقافة تتعلق بعدم تقدير أهمية تصميم الإعلان، رغم كونه أداة أساسية فى تسويق المنتج الثقافي، كنت قد اقترحت إقامة معرض لأعمالى على مدار 25 عاما، لكنه لم يقابل بالترحيب الكافى، نتيجة غياب الوعى بقيمة الإعلان كفن واستثمار.

أناشد وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وهو خبير في تصميم الجرافيك، بتبني فكرة معرض دائم لبوسترات ودعايات المنتج الثقافى، يضم أعمال مصممين متميزين على مدار السنوات، هذا المعرض يمكن أن يكون فعالية كبيرة تبرز دور المصممين، وتزيد الوعى المجتمعى، وتحفز العاملين بالوزارة.
لدينا رصيد ضخم من المواد البصرية التى تستحق العرض، من أوبرا عايدة إلى المهرجانات والفعاليات الفنية، وجود معرض دائم سيكون دعما حقيقيا لهذا المجال.
لقد طورت منهجا متخصصا في «فن تصميم الأفيش الثقافى» ودرّسته فى دول مثل دبي، والمكسيك، والنمسا، ولاقى اهتماما كبيرا، فلماذا لا نبدأ من هنا؟

* ظهرت فى الآونة الأخيرة انتشار استخدام تقنيات الـAi  في تصميم البوسترات سواء للعروض المسرحية أو المهرجانات.. كيف ترى ذلك؟

- بالتأكيد، تنفيذ هذه الأفكار سيكون خطوة رائعة تواكب التطور العالمى، الذكاء الاصطناعى مجرد أداة ووسيط، وليس بديلا عن العقل البشرى، فإذا تحكمت الآلة بالكامل، ستكون النتائج غير مرضية، لكن عندما نستخدمه كوسيلة مساعدة تحت إشراف المصمم الواعى، يصبح أمرا إيجابيا جدا.
الأهم هو أن يكون المصمم واضح الأفكار، ويعرف ما يريده، ويوجه الأداة لتحقيق رؤيته، بهذه الطريقة يصبح الذكاء الاصطناعى وسيلة لتحسين الجودة وتصحيح المفاهيم وتقديم محتوى يواكب العصر.
لقد أصبحنا فى زمن مختلف بتقنيات متطورة، ومواكبة هذا التوجه ليس خيارا بل ضرورة، طالما العقل البشرى هو من يتحكم، فاستخدام الذكاء الاصطناعى هو أمر محمود ويخدم الإبداع.

* ما هى الرسالة الأساسية التى يجب أن ينقلها بوستر مهرجان المسرح التجريبى على وجه التحديد؟ هل يجب أن يكون معبرا عن كسر القواعد أم البحث عن شكل جديد؟

- فى إطار طبيعة المهرجان التجريبى القائم على كسر التقاليد والبحث عن أشكال فنية جديدة، حيث يعد البوستر وسيلة تعبيرية حيوية تربط بين القائمين على الحدث والجمهور، وقد اعتمدت تصميماتى على رموز مثل «حورس» بشكل تجريدى ومعاصر، يوحى بالحركة والموسيقى حتى بدون وجودها، بما يتناسب مع روح التجريب التى تميز العروض المسرحية وغيرها من عناصر المهرجان، فالهدف هو نقل رسالة واضحة وغير مباشرة فى نفس الوقت، تعكس جوهر التجريب كـ«لعبة إبداعية» تكسر القواعد وتطرح أشكالا غير تقليدية.

*ما هو التوازن المناسب بين الهوية المصرية - العربية للمهرجان وبين طابعه الدولى والعالمى؟

- نحن كمصممين عرب نمتلك رؤية فريدة تجمع بين الهوية والأسلوب العالمى، نعتمد على رموزنا التاريخية مثل حورس، باستخدام مساحات لونية جريئة وفراغات مدروسة لخلق تركيز بصرى قوى، ندمج بين اللغتين العربية والإنجليزية بتناسق يخلق انسجاما يجمع بين أصالة هويتنا التى تمتد لـ7000 عام وحداثة التصميم العالمى، مما ينتج بوسترات تخاطب الجمهور المحلى والدولى بلغة بصرية معاصرة.

* كيف يمكن إبراز فكرة الحوار بين الثقافات التي يمثلها المهرجان فى صورة ثابتة «البوستر»؟

- البوستر هو حوار بصرى يربط بين العمل الفنى والجمهور، حتى لو كان يحتوى على عنصر واحد، فهو قادر على خلق جدل وحوار واسع، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعى، هذا الجدل ليس شيئا سلبيا، بل هو مؤشر على نجاح التصميم فى إثارة الانتباه وتحفيز النقاش.
الأجمل أننى لاحظت فى السنوات الأخيرة ظهور مقالات نقدية متخصصة تحلل البوستر فنيا: من الألوان إلى التكوين والتناسق بين العناصر، هذا دليل على أن التصميم لم يعد مجرد طباعة، بل أصبح عملا فنيا قائما بذاته يناقش ويحلل، وهذا بحد ذاته نجاح كبير.

*  كيف نجعل البوستر جذابا ومثيرا للفضول لدرجة أن يدفع الشخص العادى وليس فقط المتخصص لحضور المهرجان؟

- مهرجان المسرح التجريبى يستهدف شريحة متخصصة وليس الجمهور العادى، فالمصريون بشكل عام لا يميلون لمثل هذه العروض المتخصصة، لذلك يجب أن يكون تصميم البوستر موجها لهذه الفئة الخاصة، دون محاولة إرضاء جميع الأطراف، لأن العمل الفنى التجريبى بطبيعته يثير آراء متباينة، حتى الخلافات الحالية حول تغيير اسم المهرجان تثبت أن هذه القضايا لا تهم الجمهور العادى، بل فقط المهتمين المتخصصين.

*هل فتحت التقنيات الحديثة مثل الواقع الافتراضي، الذكاء الاصطناعي، البروجكشن Mapping آفاقًا جديدة لخيال المبدع المسرحي، أم أنها مجرد "أدوات ترفيه" باهظة الثمن؟

- تقنية الفيديو مابينج ليست ترفا، بل أداة عروض قوية موجودة منذ أكثر من 15 عاما، من خلال تجربتى مع الفنان وليد عونى، أرى أنها رغم تكلفتها العالية، تقدم نتائج استثنائية عند دمجها بشكل متزامن مع أحداث المسرح لتعزيز الفكرة الرئيسية، عند استخدامها باحترافية تكون هذه التقنية ذات تأثير بصرى متميز وقيمة فنية عالية.